السبت، 25 مارس 2006

فوبيا الحجاب.. هل من مبرر؟



تقرير: أمل خيري........................
يُعَدُّ الحجاب إحدى اللبنات الأساسية في صرح الأسرة المسلمة؛ باعتباره رمزًا للعفاف والطهر والنقاء، ولذلك يواجه هذا الرمز الإسلامي حربًا شعواء ذات جذورٍ عميقةٍ.

وفي هذا الإطار وبمناسبة اليوم العالمي للحجاب شهد العام الماضي استمرار الحرب على الحجاب سواءٌ في أوروبا أو في العالمين العربي والإسلامي

ففي هولندا: أظهر استطلاعٌ للرأي نُشِر في 5/8/2005م أن غالبيةَ الهولنديين يريدون فرض حظر على ارتداءِ الموظفات المسلمات في الحكومة للحجاب، وذلك في تراجع ملحوظ للتسامح الديني مقارنةً بعامين مضيا، عندما كان معظم الهولنديين لا يؤيدون هذا الحظر.

وكشف الاستطلاع الذي أجراه مركز (تي. إن. إس نيبو) لصالح صحيفة "بينينلاندز بيستور" الأسبوعية المعنية بشئون موظفي الحكومة أن 58% من الهولنديين يريدون أن تَفرض السلطاتُ المحلية حظرًا على ارتداء المسلمات الحجاب أثناء العمل، كما أظهر الاستطلاع الذي شمل 433 شخصًا وأُجرِي في مايو 2005 أن نحو 83% يريدون فرض حظر على النقاب والجلابيب.

هجرة المحجبات
وفي فرنسا ومع بداية العام الدراسي الجديد، واستمرار تطبيق قانون منع ارتداء الرموز الدينية الظاهرة بالمدارس الحكومية للعام الثاني على التوالي والذي أقرته الحكومة الفرنسية يوم 15 مارس 2004 اختارت العشرات من المحجبات الفرنسيات الهجرةَ إلى بلدان أوربية مجاورة، أو الالتحاق بالمدارس الخاصة، أو الاعتماد على طريقة "التعليم عن بعد"؛ وذلك بهدف استكمال دراستهن، والحفاظ على تطبيق تعاليم دينهن في آنٍ واحد.

وفي ألمانيا.. أوقفت السلطات المحلية في مدينة إيبرسباخ الواقعةِ في ولاية بادن فوتمبرج جنوب ألمانيا في 24/8/2005 إحدى المربيات المسلمات عن عملها (فيرسهتا لودين) في إحدى دور الحضانة بسبب إصرارها على ارتداء الحجاب، واشترطت خلع المربية للحجاب لاستئناف عملها.

كما ذكرت صحيفة ألمانية أن كبرى ولايات ألمانيا من حيث عدد السكان تزمع إلزامَ المعلمات المسلمات بنزع الحجاب في المدارس بداية من الصيف القادم، وقد أعرب رئيس البرلمان الألماني "نوربت لامرت" عن رغبته في إصدار تشريعٍ يقضي بمنع ارتداء الحجاب داخل الدولة الألمانية.

وفي تصريحات أدلى بها إلى مجلة "راين ميركور" الأسبوعية أوضح "لامرت"- وهو أحد أعضاء الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الجديدة ميريكل- أنه من غير المعقول أن يتم السماح بارتداء الحجاب داخل الدول المسيحية!!

وفي بريطانيا سادت حالة من الغضب بين طلاب جامعة بريطانية بعد حظر ارتداء الحجاب الإسلامي بدعاوى أمنية، وذكرت صحيفة (ديلي ميل) البريطانية في 10/12/2005 أن جامعة "إمبريال" أصدرت قرارًا يحظر ارتداء الحجاب الإسلامي وأغطية الرأس عقب تفجيرات لندن في يوليو الماضي، ووفقًا للقرار فإن أمن الجامعة من حقه إخراج أية فتاة ترفض كشْفَ وجهها، كما يُلزِم القرار جميعَ موظفي وطلاب الجامعة التي يوجد بها أكثرية مسلمة بإظهار صور بطاقات الهوية؛ حتى يستطيع مسئولو الأمن المقارنة بينهم وبين صورهم في بطاقات الهوية.

العدوى تنتقل
طالت الحرب على الحجاب بلدانًا إسلاميةً.. ففي تركيا أكد رئيس المجلس الأعلى للتعليم التركي أردوغان تازيج أن الحكومة مقيدة الأيدي بشأن الحجاب وأنها غير قادرةٍ على تشريعه في الدولة؛ نظرًا لقرارات المحكمة الأوروبية المناوئة للحجاب، وقال تازيج- في تصريح نقلته وسائل الاعلام التركية في 6/7/2005
وفي مشهد استفزازي نشرت الصحف التركية في 25/1/2005 صورةً لجماعةٍ تجتمع في أحد مساجد إسطنبول وتصلي بشكل جماعي رجالاً ونساءً مختلطين في صفٍّ واحد وبينهن نساء متبرجات، واستنكر كثيرٌ من الأتراك هذه الصورة ووصفوها بالمهزلة، وفي طاجيكستان حظرت وزارة التربية الطاجيكية في 20/10/2005 ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات لمنع ترويج الفكر الإسلامي.

وقال وزير التربية عبدو جبر رحمانوف إن "ارتداء الحجاب كان أمرًا نادرًا وأصبح رائجًا حاليًا، ويستخدم للترويج لأيديولوجية"، وأضاف أن "الحجاب يمثِّل أيديولوجيةً دينيةً ويخالف قانون التربية"، وقد يتعرض المخالفون لقرار الوزارة للطرد.
الحجاب نشاز وطائفي!!
أما الدول العربية فلم تَسْلم من هذه الهجمة على الحجاب؛ ففي تونس أثارت تصريحاتُ وزيرِ الشئون الدينية التونسي أبو بكر الأخزوري الأخيرة بشأن الحجاب ردودَ فعلٍ واسعةً؛ حيث صرح الوزير في حوار أجرته صحيفة "الصباح" التونسية الثلاثاء 27/12/2005 بأن "الحجاب دخيل، ونسميه بالزيِّ الطائفي؛ باعتبار أنه يُخرِج من يرتديه عن الوتيرة، فهو نشازٌ وغيرُ مألوف، ولا نرضى بالطائفية عندنا".

واعتبر الأخزوري أن الحكومةَ التونسيةَ "حكومة حداثية"، وهي بالتالي ترفض مظاهرَ الحجاب، وتجدر الإشارة إلى أن السلطاتِ التونسيةَ تمنع- بمقتضى القانون- ارتداءَ المرأة غطاءَ الرأس، أو ما يُعرَف بالحجاب، وتصنفه ضمن ما تقول إنه الزيُّ الطائفي، وينص المنشور 108 الصادر في 1981 على حظر الحجاب في المدارس وفي كل المؤسسات العمومية، غير أن السلطاتِ التونسيةَ تتوسع في حظر الحجاب حتى في الشارع، بحسب العديد من التقارير والمنظمات الحقوقية.

عداء مستحكم
واعتبرت الدكتورة منجية السوائحي- الأستاذة بجامعة الزيتونة، في لقاء مع قناة "ANB" بثَّته مساء الثلاثاء (27/12/2005)- الحجابَ من الموروثات الإغريقية والرومانية، وأنه ليس أمرًا إسلاميًّا أصيلاً، معتبرةً أن الإسلام يحث على الستر والحشمة، وأنه لا ينص على الحجاب الذي اعتبرته زيًّا طائفيًّا مرفوضًا في تونس، وأن التونسيين تخلَّوا عنه باختيارهم، بعد أن ترسَّخت الثقافة الحديثة بينهم (على حدِّ قولها) نافيةً أن يكون الشرع قد حثَّ على الحجاب، معتبرةً الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أكبر عدوٍّ للمرأةِ.

وفي الأردن حذَّر حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن في شهر أكتوبر العام الماضي من تصرفاتٍ وصفها بأنها غير مسئولة, قال إنها لا تخدمُ الأمنَ الوطني؛ حيث إن مشاعرَ المواطنين صُدِمت في الثلث الأول من شهر رمضان المبارك بمشاهدَ مؤذيةٍ على لوحاتٍ إعلانية ثبتت في أماكنَ عديدةٍ اعتبرها تمثِّل "اعتداءً سافرًا على عقيدةِ هذا الوطن وهويته, واستفزازًا لكل المؤمنين والمؤمنات في هذا الوطن".
وقال التصريح إن هذه اللوحات تبرز صورةَ امرأةٍ منتقبةٍ اقتداءً بأمهات المؤمنين, ونزولاً على الحكم الشرعي كتب تحتها عبارات سمجة مثل (مضطهدة) و(محتشمة), وصورة شاب ملتحٍ كتب تحتها (متعصب) و(تبعية).

وفي سوريا عُقِد في شهر نوفمبر الماضي (2005) بجامعةِ دمشق برعاية وزير التعليم العالي مؤتمرُ المرأةِ والتقاليد، وشارك فيه نخبةٌ من المفكرين والمفكرات من مختلف بلدان الشرق الأوسط، ووزَّع منظمو المؤتمر في إحدى الجلسات كتابًا بعنوان (فليُنزَع الحجاب) لمؤلفته الإيرانية شهداروت جافان، ولم يكد يمضِي يوم على توزيع الكتاب حتى شنَّ بعض ممثلي التيار الإسلامي المعارض هجومًا غير مسبوق على الأفكار التي طُرِحت في الندوة وعلى الكتاب، كما أصبح الكتاب مادةً في أكثر من مسجدٍ دمشقي في الأيام التالية، ترافق هذا الهجوم على الكتاب بهجوم آخر؛ إذ استنفرت بعض الجهات الأمنية والحكومية لملاحقةِ الكتاب، واستدعت منظم المؤتمر وناشر الكتاب لمساءلتهما.

وفي الجزائر بدأ حزبٌ سياسي إسلامي جزائري منذ ديسمبر الماضي حملةً ضد الحكومة في البرلمان وعلى أعمدةِ الصحف؛ بهدف إلغاءِ إجراءاتٍ تجبر الرجالَ الملتحين والنساءَ المتحجبات تقديمَ صور بدون لحيةٍ أو خمار، إذا أرادوا الحصول على بطاقات التعريف أو رخص القيادة أو جوازات سفر من المصالح الإدارية.
وشهد شاهد
وإذا كانت كل هذه الجهود الرامية لحظر الحجاب قد أُقِيمت بدعوى تحرير المرأة وإزالة العراقيل التي تواجهها في العمل و التعليم فإن دراسةً حديثةً أُجرِيت في مطلع العام الحالي نفت هذه الادعاءات، ففي 4/2/2006م قامت مؤسسة المساواة بين طلاب التعليم العالي من المسلمين بالجامعات والمعاهد البلجيكية بإجراءِ بحث أكدت نتائجه أن ارتداء المسلمات للحجاب لا يأتي كمؤشرٍ على خضوع المسلمات.

كما أكدت نتائج البحث على أن الحجاب يساعد المسلمات على الاندماج في الحياة العامة دون حرج كمسلمات، ويحافظ على قيمتهن الأنثوية ومنحهن الاحترام والثقة من المحيطين بهن؛ حيث إنهن لا يرين في الحجاب مانعًا من الخروج للحياة في حرية.

وبالرغم من المشاعر العنصرية- حسب ما يقول البحث- التي تواجهها المسلمات المحجبات إلا أنها لا تؤثِّر عليهن، بل إنها تزيد من تشبثهن بالحجاب لإثبات حقهن في المساواةِ في درجة المواطن، وعدم وجود فوارق بينهن وبين البلجيكيات، حتى وإن ارتدين الحجاب.

كما دعت منظمة الشباب الليبرالي الألمانية "يوليس" بولاية شمال الراين إلى اعتبار الحجاب أحد المظاهر الحياتية في الشارع الألماني التي لا تستدعي النظر إليها بعنصرية، مطالبةً بإقرار قيمِ التسامح والتعدديةِ داخل المجتمع الألماني، وطالب شباب المنظمة بضرورة "السماح لكل فرد أن يفعل ما يشاء، وأن يحدِّد الصيغةَ المناسبةَ لحياته، ما دام ذلك لا يتعارض مع القانون الأساسي (الدستور) للبلاد"، وأكدوا أن الشباب الليبرالي يقف إلى جانب حرية الفرد والاحترام تجاه الآخرين.

وتتكون منظمة "يوليس" من 10.000 شاب وفتاة، تتراوح أعمارهم بين 14 و35 عامًا من جميع الأطياف داخل المجتمع الألماني بمن فيهم الأجانب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق