تعد فترة المراهقة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته لكونها جسراً يصل الطفولة بالشباب وهذه المرحلة لا تأتي دفعة واحدة بل في تدرج طبيعي تختلط فيه التصرفات الطفولية مع الرغبة في إثبات الذات وتمتد من سن 11 : 19 ، وتتسم هذه المرحلة بمجموعة من السمات الطبيعية العامة إضافة إلى بعض المظاهر الاستثنائية الأخرى التي تظهر عند البعض بشكل حاد ، كما تظهر مجموعة من المشكلات لدى المراهق في دوائر الاتصال الثلاث التي يتفاعل معها وهي النفس والأسرة والمجتمع.
وفي هذه الدراسة نقوم بإلقاء الضوء على خبرة صفحة مشاكل وحلول الشباب في معالجة مشكلات المراهقين لنستخلص ملامح الرؤية العامة للصفحة تجاه قضايا ومشكلات المراهق تصلح كمفاتيح لفهم طبيعة ونفسية المراهق من خلال تحليل ما يقارب 250 استشارة وردت من مراهقين من الجنسين للصفحة.
تقسيم الدراسة:
1 – أهم المشكلات التي يتعرض لها المراهق مع نفسه : مظاهرها – أسبابها – رؤية الصفحة في معالجتها.
2 - أهم المشكلات التي يتعرض لها المراهق في محيط الأهل: مظاهرها – أسبابها – رؤية الصفحة في معالجتها.
3 - أهم المشكلات التي يتعرض لها المراهق مع الجنس الآخر : مظاهرها – أسبابها – رؤية الصفحة في معالجتها.
4 - أهم المشكلات التي يتعرض لها المراهق مع نفس الجنس : مظاهرها – أسبابها – رؤية الصفحة في معالجتها.
5 - أهم المشكلات التي يتعرض لها المراهق مع المجتمع : مظاهرها – أسبابها – رؤية الصفحة في معالجتها.
***************
أولاً : صورة المراهق عن نفسه :
يمكن تقسيم المشكلات التي تواجه المراهق مع نفسه إلى جانبين:
جانب الجسد : ويشمل بعض الموضوعات الفرعية مثل صورة الجسد – المظهر الخارجي – الشهوات ، وجانب الروح والقيم : ويشمل بعض المشكلات الفرعية مثل الخجل – أحلام اليقظة – الحاجة للحب – الوحدة والغربة – اضطرابات نفسية – المعصية والتوبة – عدم الثقة – النضج والاكتئاب – المثالية – هموم الدراسة.
1 – جانب الجسد:
يكثر في فترة المراهقة تدقيق المراهق في نفسه وشكله وصورة جسده بشكل مبالغ فيه نتيجة لوعيه الجديد بذاته وبحثا عن الكمال في الصفات، لذا تزيد الشكوى لأمور عادية لا تسترعي الانتباه في الظروف العادية، ولكنها تسترعي انتباه المراهق ويعتبرها مشاكل ويطلب لها علاجاً ولكنها في حقيقة الأمر ليست سوى مجرد أشياء طبيعية لا تحتاج إلى علاج بل بعض الملحوظات العابرة دون كثرة تدقيق.
وأهم المظاهر التي برزت في صورة الجسد لدى المراهق:
1. الاهتمام بالشكل الخارجي في ارتداء الملابس وووضع العطور وتسريح الشعر والاهتمام بمساحيق الزينة للفتيات.
2. الميل إلى تقليد الأصدقاء واتباع خطوط الموضة.
3. اتخاذ الموديلات والفنانين ولاعبي الكرة قدوة في الشكل الخارجي والمظاهر.
4. عدم الرضا عن ملامح الوجه أو أبعاد الجسد والرغبة في إجراء عمليات التجميل.
5. كثرة مقارنة الشكل بالآخرين.
6. تردد الفتيات في إرتداء الحجاب.
7. المبالغة في الوقوف أمام المرآة .
8. المبالغة في طريقة الكلام وإخراج الكلمات بما قد يؤدي للتلعثم.
9. انجراف البعض وراء شهواته المتزايدة فيلجأ لتصريفها بالعادة السرية.
أما أهم الأسباب التي أدت إلى هذه المظاهر فتمثلت في:
1. طبيعة المرحلة العمرية نفسها .
2. مقارنة المراهق نفسه بغيره ومقارنة الأهل أبنائهم بغيرهم من المراهقين الذين قد يبدو من تصرفاتهم الظاهرية نوع من العقل والاتزان.
3. عدم شغل وقت الفراغ بما هو مفيد.
4. تأثير الإعلام والمسلسلات التليفزيونية التي تروج لوهم الجمال والموديلات المثالية.
5. عدم بث الثقة في نفس الأبناء وتوعيتهم بالجمال الداخلي.
ويمكن استخلاص أهم ملامح رؤية الصفحة تجاه صورة الجسد لدى المراهق فيما يلي:
1. لا بأس من الاهتمام بالجسد وصورته واختيار الأزياء المناسبة ولكن بشرط ألا يتم ذلك بصورة مبالغة.
2. اللجوء للعمليات الجراحية لا يكون إلا في حال العيوب الخلقية وليس لمجرد تغيير الخلقة.
3. أن قيمة الإنسان تظهر من أفكاره وعلمه وليس بشكله أو جسده .
4. أن الشهوات والرغبات الجارفة لدى المراهق أمر طبيعي إلا أن يجب تهذيب هذه الرغبات بشغل النفس والعقل والوقت والتقرب إلى الله والحرص على الصحبة الصالحة ولا يصح إغضاب الله بتصريفها في أفعال شاذة كالعادة السرية التي ينبغي لمن ابتلي بها أن يلتمس لنفسه العلاج.
5. يجب تقبل صورة الجسد كما هو لأن الجمال أمر نسبي وما يراه البعض قبيحاً يراه الآخرون جميلاً.
6. لا ينبغي المقارنة بالآخرين أو تقليدهم بل يجب أن يتمسك المراهق بشخصيته واستقلاليته وأن تظل مرجعيته هي القيم والأخلاق ومبادئ الدين.
2 - جانب الروح والقيم :
تتصارع داخل نفس المراهق الكثير من القيم والاضطرابات التي يمكن أن تكون في معدلها الطبيعي فلا تمثل مشكلة للمراهق وأحياناً قد تتطور وتتزايد لتصل إلى نوع من الاضطرابات النفسية التي تحتاج معها إلى متابعة طبيب نفسي وأهم مظاهر هذا الجانب التي ظهرت لدى المراهق:
1. الشعور بعدم الرضا عن النفس وتأنيب الذات مع الطموح المثالي إلى الكمال وعدم الرضا بالواقع والشعور الدائم بالذنب والتقصير.
2. الشعور بالمكر والخداع والحيرة، وعدم التحديد مع تقلب المشاعر بين الحزن والفرح.
3. الشعور بعدم القدرة على التكيف مع الحياة والمحيط مع اهتزاز الثقة في الناس ووجود نوع من الانطواء والشعور بالوحدة والعزلة.
4. الملل من الحياة والنفس والسمات الشخصية وكثرة الشكوى من الأرق والقلق والاضطراب والشعور بالفراغ.
5. القدرة على تحليل الأمور والتخطيط لها بعناية مع عدم القدرة على تطبيقها أو اتخاذ القرارات.
6. الاستغراق في أحلام اليقظة كالحلم بأب بديل عن الأب المتوفى والرغبة في العيش في مغامرات خيالية.
7. تدنى المستوى الدراسي أو اضطرابه وضعف الإرادة والتفكير في الماضي بدلا من السعي للمستقبل.
8. الحيرة في اختيار نوعية الدراسة أو مجال العمل.
9. الصراع بين التفكير العقلاني وبين الإيمان بالغيبيات.
10. الإفراط في الذنوب واليأس من قبول التوبة.
11. تذبذب العلاقة مع الله ووجود خلل في التصورات الإيمانية.
12. الشعور المتضخم بالذات بشكل يدفع أحياناً للغرور والتكبر.
أما أهم الأسباب التي تؤدي لظهور هذه المشكلات:
1. "أزمة تحديد الهُوِيَّة، والبحث عن الدور" خاصة لمن كان يعتمد على الأبوين بشكل رئيسي لتحديد أهدافه.
2. المشاعر المتناقضة والمتقلبة كثيرًا ما تتواجد في هذه الفترة من العمر، التي تتميز بأنها فترة انتقالية بين الطفولة والرشد.
3. الكروب الحياتية (التغيرات الحياتية أو الأحداث ذات الدلالة الخاصة في حياة الفرد).
4. الاستسلام للوحدة والاكتئاب.
5. الانغماس في أحلام اليقظة قد يكون سببه اتباع الأوهام والخيالات أو الحرمان المبكر من الأب أو الأم.
6. طبيعة نظام التعليم الذي يعتمد على التلقين ويقتل الإبداع.
7. عدم وضوح الهدف من الدراسة لدى المراهق مما يجعله يكره المذاكرة ولا يجد لها حافزاً.
وتمثلت رؤية الصفحة في مواجهة هذه المشكلات في:
- يجب الوعي بتقبل الروح والنفس تماماً كما يجب تقبل الجسد وشكله.
- في سن المراهقة يرسم الشاب صورة مثالية لنفسه يسعى إليها، ويعتبر عدم الوصول لها فشلاً ، إلا أن هذه النظرة غير صحيحة فالناس لن يتفقوا على شخص واحد مهما كان حتى الأنبياء والرسل.
- ينبغي للمراهق وهو يرسم صورة لنفسه أن يرسم صورة واقعية لإنسان يخطئ ويصيب، له نقاط قوته ونقاط ضعفه، يتعامل ويتكيف قدر طاقاته وقدراته وذلك حتى يتم تقبل النفس كما هي وتعزيز نقاط القوة والتغلب على نقاط الضعف.
- مما لاشك فيه أن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة يؤدي إلى الشعور بالقلق والخوف عند الإنسان، وانعدام الاتزان لفترة ولكن بمشاورة ذوي الخبرات وإعادة الثقة في النفس يمكن تجاوز هذه المخاوف.
- يجب الوعي بخطوات اتخاذ القرار الحكيم المناسب، وهي بجانب الاستشارة والاستخارة، والصدق مع النفس بشأن القدرات والرغبات تشمل تحديد السؤال المطلوب الإجابة عنه، أو القرار المطلوب اتخاذه بدقة ووضوح ، جمع أكبر قدر من المعلومات، وضع مجموعة من الاختيارات ، اختبار هذه الفروض ، اختيار الأنسب وليس بالضرورة أن يكون هذا "الأنسب" هو الأحسن مطلقاً ، مع وجود يقين في النفس أنه لا يوجد شيء كله إيجابيات أو سلبيات، وأن احتمالات الخطأ تظل واردة، مع الاعتقاد بإمكانية تعديل القرارعندما يصبح ذلك لازماً وتبقى الاستعانة بالله والاستخارة في كل أمر، والتوكل على الله مفتاح اتخاذ القرارات.
- تكثر الأعراض الهروبية من ضغط المذاكرة لدى المراهق ويمكن التغلب عليها بوضع هدف المذاكرة دائماً نصب العينيين بدءاً من الهدف القريب وهو النجاح ومروراً بالحصول على رضا الأهل واحترام المحيطين وانتهاءً بوضع تصور للمستقبل الذي يضع فيه المراهق اللبنة الأولى بنجاحه وبتذكر هذه الأهداف يقل الاحساس بالضيق وثقل المذاكرة ، مع ضرورة وضع فترات للراحة والاستجمام بين فترات المذاكرة لإستعادة النشاط ، مع الاستعانة بالله وتذكر معيته والحرص على تنظيم الوقت وعدم تشتيت الذهن بالتفكير في أمور فرعية .
- أن الهدوء والتخلص من التوتر والقلق سلوك يمكن اكتسابه بالتدريب وبالتدريج، والمهم أن يقتنع الإنسان بعدم جدوى القلق في إنجاز مهامه وأن الإنسان لن يصل إلى درجة الكمال أبدًا، فيجب أن يقتنع بالأداء المناسب، مع ضرورة الاتزان في حياته كلها بصورة عامة، بحيث تكون الدراسة أحد محاورها، ولكنها ليست المحور الوحيد الذي تدور حوله الحياة.
- أن الاختيار سواء في ميدان الدراسة أو العمل يجب أن يتم على أسس، منها تحديد ماذا نريد، وماذا نحب، ومعرفة قدراتنا وميولنا ومهارتنا ومحاولة إشباعها وتنميتها والإبداع المستمر في الميدان الذي نشعر بشغفنا به وقدرتنا على تنميته.
- الشعور بالضعف والضياع ناشئ عن الفراغ الذي يعيشه المراهق لذا لابد من مقاومة الهواجس عن الضعف وقلة الحيلة مع طلب العون الأسري وصحبة أصدقاء صالحين.
- أن الشعور بالتقصير قد يكون دافعًا لتلافيه وقد يكون مُقْعِدًا عن طلب المعالي والتقصير أمر وارد في حياة الإنسان وليكن هذا دافعًا له لمحاولة جبر هذا التقصير قدر استطاعته.
- مسألة العلاقة مع الله وتضارب معاني الإيمان تنشأ من الرؤية الحادة في ألوانها بين أسود قاتم وأبيض ملائكي وهذه الطريقة في رؤية العالم خطيرة وغير دقيقة، فالإنسان مطالب أن يعيش في الحياة ويعمرها وفي الوقت نفسه يعمل لآخرته فالاتزان والتوسط مطلوب في فهم حقيقة الإيمان والتدين .
- نحن مدعوون لاستخدام المنطق والعقل في حل مشاكلنا لكن دون المبالغة في دور العقل حتى لا يصل الإنسان لمرحلة المادية والالحاد فلابد من منهج وسطي في التعامل مع العقل والمنطق.
- لا يدفع الشعور بالذنب والتقصير في حق الله إلى جلد الذات أو الرغبة في الانتحار لأن الله يقبل التوبة ولم يغلق الأبواب في وجه العصاة فلا نغلقه بأيدينا في وجوهنا .
- تكثر أحلام اليقظة في المراهقة وحتى الشباب ثم تقل بعد ذلك تدريجياً، وهي في أصلها ممارسة مفيدة يستخدمها الإنسان في مواجهة قسوة واقعه ، وقد يكون في هذه الأحلام تعويض عن افتقاد الأمل أو الأمان أو الحب والتقدير وهي في كل الأحوال مفيدة بدرجات متفاوتة إلا إذا اختلطت بالواقع الفعلي، وتداخلت معه على نحو معوق أو ضار عندما تؤثر على علاقات الإنسان بالمحيطين به، وعندما تكون هي الوسيلة الوحيدة لملء أوقات الفراغ ثم تتمدد لتملأ أوقات العمل على حساب حقوق الذات والآخرين والطريق الصحيح للتعامل مع أحلام اليقظة ليس قمعها بل ترشيدها وتوظيفها لتؤدي دورها على خير وجه واستثمارها في أعمال إبداعية كالكتابة الأدبية والرسم .
- أن الخجل في حدوده الطبيعي يعد من سمات الشخصية الانطوائية ولكن إن زاد بشكل كبير يصبح من عيوب الشخصية إذا أثرت على تكيف الإنسان مع البيئة وعاقته عن ممارسة حياته بصورة طبيعية ، وهذه الشخصية الانطوائية هي نتاج تضافر عوامل مختلفة من الاستعداد الخلقي والوراثي وطريقة النشأة والتربية والظروف الاجتماعية ، والمطلوب من الشاب السعي لتغيير هذه الصفات بالقدر الذي يسمح بالتكيف مع الآخرين وهذا يتطلب الاعتقاد بالقدرة على تغيير السمات والتدريب المستمر والمتدرج على التحدث والتعرف على الآخرين، وممارسة الأعمال التي تعطي شعوراً بالثقة في النفس والقدرة على إثبات الذات مثل: تحصيل العلوم النافعة المختلفة، والعمل في أوقات الفراغ، وممارسة الرياضة البدنية، واكتشاف المواهب والميول والقدرات والسعي إلى تنميتها.
- بالنسبة للشعور المتزايد بالغرور لدى البعض فينبغي مقاومته بتدريب النفس على احتمال التنازل عن الرأي متى ظهر عدم صحته.
*************************
ثانياً : العلاقة مع الأهل:
الدائرة الثانية في علاقات المراهق تدور حول الأهل خاصة الوالدين فينشأ نوع من الصراع بين رغبة الابن في إثبات ذاته والتخلص من آثار مرحلة الطفولة نهائياً وبين شعور الوالدين الدائم بأن الابن ما زال طفلاً يحتاج للرعاية .
لذا تظهر مجموعة من المظاهر تشوب علاقة المراهق بوالديه مثل:
1. التكذيب المستمر للابن خصوصا في فترة المراهقة.
2. عدم الثقة من قبل الوالدين في تصرفات وأقوال الأبناء.
3. حب الابن للوالدين مع الخجل منهما في نفس الوقت.
4. العلاقات الرسمية والشكلية بين الأبناء والأبناء.
5. عدم تعبير أفراد الأسرة عن حبهم بشكل واضح.
6. المراقبة المستمرة والتشديد والتضييق على الأبناء في هذه المرحلة .
7. العصبية الزائدة من الأهل أو تجاه الأهل.
8. الشعور بتجاهل الأهل وإهمالهم وتعويض هذا الشعور بالوقوع في براثن العلاقات مع الجنس الآخر.
وأسباب هذا التناقض في علاقات المراهق مع الأهل تتمثل في:
1. خوف الوالدين من المرحلة العمرية التي يمر بها المراهق مما يدفعهم للتضييق عليه.
2. قد يفقد الوالدين الثقة في ابنهما نتيجة صدور أفعال صغيرة خاطئة منه.
3. عدم التدرب داخل الأسرة على فنون "إظهار" الاهتمام بشخص ما.
4. عدم التواصل مع الأهل أو فقدان القدرة على التواصل مع الأهل ربما لاختلاف الأجيال.
5. انعزال المراهق عن أفراد أسرته وعدم مشاركتهم النقاش.
6. عدم التشجيع من الأسرة أو الاستهزاء والتهكم المستمر مما يجعل المراهق ينفر من أسرته .
7. تفهم بعض المراهقين الخاطئ لسلطة الأهل فيعتبرها تدخلا أوحداً للحرية الشخصية فيحاول التمرد على هذا الوضع وتعويضه خارج البيت.
أما رؤية الصفحة تجاه علاقة المراهق بأهله فتتمثل في مجموعة من القواعد :
- تتصارع الرغبة الدائمة لدى المراهق بالتمسك برأيه وتنفيذ رغباته ضد رأي الأهل مع رغبة الوالدين في إبعاد الأبناء عن الأخطاء خاصة مع عدم القدرة على إدارة الحوار بين الكبير والصغير، ولا يمكن حل هذا الأمر إلا بقدر من المرونة من الطرفين ولينتهز المراهق فرصة وجوده مع والديه ليتعلم منهما قبل أن تضيع فرصة التعلم وليعطي لنفسه فرصة النظر فيما يبديه الوالدان من آراء بتعمق فربما يكون فيها قدر من الصحة لم يستطع اكتشافه بعناده وعصبيته.
- أن سلطة الأهل كسلطة في حد ذاتها ليست أمرًا مرفوضًا ، فلابد من وجود سلطة ونظام بالبيت مع مراعاة المراهق عند اتخاذه القرار لآراء الآخرين من أفراد الأسرة لأنهم سيتحملون جزء من نتائج هذا القرار ، والحرية ليست أمرًا مطلقًا لا حدود له، بل العكس هو الصحيح.. إن الحرية في جوهرها مسئولية.. إن الذي يمتلك حريته هو القادر على تحمل مسئولية تصرفاته وقراراته.
- يجب تفهم النفس جيداً وتفهم كيف يفكر الوالدان تجاه أبنائهما ليلتمس الابن بعض العذر لهما في ممارسة نوع من التضييق عليه يرفضه نفسياً في هذه المرحلة حيث يرغب بالاستقلالية والخصوصية ولابد من التماس العذر لهما والاتجاه إلى الحوار والتواصل الجيد.
- يجب عدم الاستسلام لوساوس الشيطان التي قد تدفع لرفض نصائح الآخرين خاصة الأهل بصورة مستمرة والتمرد عليهم حتى لو كان في ذلك ضرر فيجب الوصول لحد من التوسط والاعتدال للنظر بشكل عقلاني للأمور والاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين مع السعي للاستقلال التدريجي وليس المفاجئ والعشوائي.
- على المراهق أن يثبت بصورة عملية وليس بالصياح من خلال تعامله مع الناس ومن خلال المواقف المختلفة أنه قد أصبح قادراً على تحمل المسئولية والابتعاد عن التصرفات الطفولية التي قد تجعله يبدو طفلاً في نظر الآخرين ومن علامات النضج قلة التأثر بالنقد وتقبله بصدر رحب نظراً لاتساع علاقات المراهق في هذه المرحلة واتساع دوائر الحياة لديه وعدم اقتصارها على الأهل.
- أن وجود خلافات بين الوالدين ينبغي ألا يأخذ حيزاً كبيراً في شغل ذهن المراهق لأن الزوجين لهما معادلاتهما الخاصة بهما التي تجعل الحياة تستمر بينهما، فلا يشغل الابن نفسه بإصلاحهما فليس عليه سوى تقديم النصيحة بأدب .
*************************
ثالثاً : العلاقة مع الجنس الآخر:
تتميز مرحلة المراهقة بنمو المشاعر الطبيعية للإنجذاب نحو الجنس الآخر .
وأهم مظاهر العلاقة مع الجنس الآخر في فترة المراهقة تتمثل في:
- الخلط بين الحب والإعجاب.
- كثرة التعارف عبر الشات والمنتديات والتليفون بين الجنسين والذي يصل إلى إعجاب ثم حب.
- ازدياد مشاعر الحب وتدفقها لدى الجنسين.
- الخجل المفرط لدى البعض من الجنس الآخر.
- التعلق القلبي بأي شخص يبدي قدراً من الاهتمام.
- يقع الكثير في وهم الحب الأول في مرحلة المراهقة وقد يقتصر الأمر على مجرد شعور قلبي برئ أو حب في الخفاء أو حب من طرف واحد وقد يتطور الأمر للتورط في علاقة مشبوهة مع الاعتقاد أنه لا يمكن التخلص من آثار هذا الحب الأول.
- خوف البعض من المجتمعات المختلطة .
- انجراف البعض في المجتمعات المختلطة لنوع من العلاقات غير المشروعة.
أهم أسباب هذه المظاهر في العلاقة بين الجنسين في فترة المراهقة:
1. طبيعة المرحلة العمرية التي تتميز بتدفق المشاعر والميل الفطري للجنس الآخر.
2. عدم فهم الذات وعدم الثقة بالنفس وصغر السن وقلة التجارب.
3. طبيعة التربية الأسرية القائمة على منع الاختلاط .
4. تفسير نظرات أو كلمات الجنس الآخر على أنها إعجاب شخصي.
5. وجود صداقة مشوهة بين الفتاة والفتى.
وتمثلت رؤية الصفحة تجاه أهم مظاهر العلاقة مع الجنس الآخر فيما يلي:
- الإسلام لا يحكم على المشاعر، ولكن يحكم على الانحرافات التي تؤدي إليها هذه المشاعر حيث يعترف الإسلام بالميل الفطري بين الجنسين، لكن يهذب هذا الميل بالزواج،وحيث أن الزواج في هذه المرحلة المبكرة غير متاح لذا فلابد من تهذيب المشاعر وضبطها حتى يحين الوقت المناسب للزواج وتحمل مسئوليته لأن الزواج ليس مجرد تفريغ للشهوات بل تكوين أسرة وتحمل مسئوليات لأن الحب يظل عاطفة سامية بشرط أن تكون للشخص المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب.
- الحب رغم أنه شعور سامٍ فإنه قد يعمي ويصم وحب المراهقة ليس له طابع الاستمرار ولا الاستقرار ، ففترة المراهقة تتسم بالعواطف الملتهبة، وقد يضاف إليها الغرائز المشتعلة، خاصة في زماننا هذا الذي شُوه فيه الحب بسبب الخلط بين الحب والجنس؛ نتيجة للأفلام الإباحية والمسلسلات الساقطة وبعض الأغاني الهابطة، لذا ينبغي عدم الانجراف في أنواع من الحب ليس أوانها وليس نهايتها الزواج.
3. مع كل التقدير لرغبة المراهق الطبيعية في الحب فإن الله أمرنا بغض البصر والابتعاد عن المثيرات وأمر بالحجاب للفتاة ، وتقوى الله وطاعته تمثل حصناً يمنع من الوقوع في المعصية وتكون سبباً في الشعور بالسعادة لأن المعصية تورث الضيق والهم كما أن استثمار الوقت في العمل النافع والممتع يساعد المراهق على تهذيب شهواته ،ولا ينبغي تقليد الآخرين في هذه المعاصي لأن كل نفس محاسبة بمفردها عما اقترفته.
4. أن البشر مفطورون على التقلب وما سمي القلب قلباً إلا من تقلبه لذا فلا ينبغي الإفراط في الحب بغير طائل لأن الأمر يمكن أن ينقلب في لحظات ويتحول لكراهية أو يظهر حب جديد أو تتقلب المشاعر لذا فإن حب المراهقة لا يصلح لأن يكون مقياساً للحب الحقيقي.
- شعور البعض من الإحراج من الدراسة المختلطة أمر طبيعي لأن التطبيق الخاطئ للإختلاط في مجتمعاتنا يؤدي في أحيان كثيرة للفوضى التي لا يرضاها عقل ولا دين، ووضع الإنسان حدوداً يرضاها فلا يتجاوزها من يريد الاقتراب منه أو التواصل معه أمر لابد منه مع عدم الوقوع في خطأ النظر للجنس الآخر على أنه موضوع جنسي بحت بل يجب التعامل الطبيعي في حدود الأدب والدين.
- في المدارس أو المعاهد المختلطة فإن الصواب أن تقتصر العلاقة بين الجنسين على شئون الدراسة والنشاط العام إن وجد، أما أن يدور الحديث بين شاب بعينه وفتاة بعينها لا تدعو إليه ضرورة الدراسة، فإن هذا يفتح باباً من القيل والقال وتطورات غير محمودة للعلاقات التي ربما تصل إلى سلوكيات شائنة.
- الحذر من الدخول في علاقات الشات والانترنت لأنها بعيدة عن الواقع وتختلف عن العلاقات على أرض الواقع وبالتالي لا تصمد أثناء تحويلها إلى واقع .
- لا يوجد للأحاديث التليفونية الخاصة معنى أو سببًا؛ فالتليفون يفتح جرأة لا تتوفر في أحاديث المواجهة، ويصبح الإفصاح عن المشاعر والتعبير عنها يأخذ طابعًا أكثر حرية وهذه الأحاديث التليفونية تقود الطرفين إلى حرام إن آجلاً أو عاجلاً.
*************************
رابعاً : العلاقة مع نفس الجنس :
في العلاقات مع نفس الجنس تظهر معاني الصداقة والزمالة في شكلها الطبيعي وقد تتطور لنوع من المثلية الجنسية أو التعلق المرضي.
لذا يمكن تلخيص أهم مظاهر هذه الأنواع من العلاقات أثناء المراهقة فيما يلي:
- الاعتقاد لدى البعض أن الصداقة نوع من الخيانة للأهل الذين يجب أن يظل لهم وحدهم الاهتمام والحب.
- الإعتقاد بصعوبة الحصول على أصدقاء يستحقون الصداقة أو الإهتمام .
- تحول العلاقة بين الأصدقاء في بعض الأحيان لنوع من حب التملك المرضي.
- تظهر بعض التصرفات الشاذة لدى البعض في العلاقة بنفس الجنس قد تتحول إلى ميول مثلية .
- الغيرة بين الأصدقاء التي قد تصل لنوع مرضي.
- محاولة تقليد الرفاق في الملابس والسلوكيات .
- تقلب المشاعر والعلاقات بين الأصدقاء.
أما أسباب هذه المشكلات فتتلخص في:
1. عدم الفهم الحقيقي لمعنى الصداقة أو الأخوة في الله، والخلط اللاشعوري الذي يحدث لكثير من الأصدقاء بين معنيين بحيث لا يدركون هذا الخلط، والمعنيان هما: الصداقة وحب التملك.
2. ربما يعيش المراهق واقعا به قدر كبير من الحرمان ومن ثمَّ يعوض ذلك الحرمان والإحساس بعدم الأمان بالارتباط بشلته فيراها مثله الأعلى ويرى فيها ذاته.
3. الإفراط الشديد في الحب والكره والذي يقع فيه كثير من المراهقين.
4. البيئة التربوية لها دورها حيث يقتصر دور الأسرة على تحجيم العلاقة بين الجنسين، بينما تترك العلاقة بين الأشخاص من نفس الجنس مفتوحة بلا منهاج أو ضوابط .
وأمام هذه المظاهر وضحت رؤية الصفحة فيما يلي:
- لا يعني وجود الأصدقاء في حياة الإنسان انتهاء دور الأهل أو الخيانة لهم.. بل هم إضافة ضرورية وجزء من النمو الاجتماعي الطبيعي؛ لذا فعلى المراهق أن يسعى لتكوين صداقات متدرجة هادئة لأن الأصدقاء هم الملاذ الطبيعي للتفاعل في الأوقات أو الأماكن التي يتعذر وجود الأهل فيها .
- يجب تغيير المفاهيم حول الأصدقاء لأنه يوجد بالتأكيد الأصدقاء الصالحون الذين يستحقون الصداقة والمهم هو حسن اختيار الصديق الذي نرتضي أخلاقه ودينه.
- يميل الإنسان في هذه المرحلة إلى توسيع دائرة معارفه وأصدقائه، وربما يغيب عن هذا التوسيع معيار التدقيق اللازم في الاختيار الحكيم للأصدقاء، وربما يكون هنا للأسرة دور في حسن انتقاء الصديق الأصلح من الناحية الاجتماعية والأخلاقية.
- لا يوجد حب بين الرجال والرجال أو بين النساء والنساء بالصورة التي تؤدي إلى الغيرة على الطرف الثاني أو التفكير فيه بشكل مبالغ أو سهر الليالي لأنه لا يوجد حب لمجرد الحب لأن الحب طاقة للبناء وهذا لا علاقة له بالحب في الله لأن الحب في الله يكون حبًا للصفات الطيبة، ولقاءً على الخير وعمله، وعلاج هذا الحب المرضي يبدأ بإدراك أنه مرض ثم معرفة حدود الصداقة الحقيقية وهي صداقة قائمة أيضًا على الحب، ولكنه حب من نوع مختلف قائم على توافق الطباع وعلى احترام الأفكار والتصرفات.
- الشرع الشريف واضح في تحديد العورة ، وضوابط التعري والملامسة بين الجنسين، وفي نفس الجنس ، وحين يتطور الميل العاطفي إلى تعبير سلوكي وجسدي ينبغي الحذر أكثر.
- ينبغي من البداية ردع النفس عن الانسياق وراء الهوى الفاسد تجاه نفس الجنس، والميل بغير هدف أو جدوى تجاه الجنس الآخر، والصحيح أن للصداقة بين الأشخاص من نفس الجنس حدودًا ينبغي ألا تتخطاها.
- أن يحاول الإنسان أن يوسع بعض الشيء دائرة العلاقات الاجتماعية مع الناس، ومن المفيد ألا يقصر الإنسان صداقاته مع شخص واحد، كما يفيد أن يكون للإنسان دوائر حركة وتفاعل وأنشطة متنوعة وهوايات واهتمامات مختلفة.
*************************
خامساً : العلاقة مع المجتمع:
تتدرج علاقة المراهق من رؤيته عن نفسه ودواخلها وعلاقته بربه إلى علاقته بأسرته وانتهاءاً بعلاقته بالمجتمع في محيطه الأكبر والذي يتمثل في العلاقة بالجنس الآخر ثم العلاقة مع نفس الجنس انتهاءً بالعلاقة داخل الدائرة الواسعة للمجتمع ككل حيث تظهر معاني وقيم الإيجابية والوعي المجتمعي والوعي السياسي .
أهم مظاهر التفاعل الإجتماعي لدى المراهق تتمثل في:
- الرغبة في إبداء النصح للآخرين والتحرج منه خاصة في توجيه النصح للأكبر سناً.
- تصارع الرغبة بين القيام بدور إيجابي في المجتمع وبين الخجل أو الخوف.
- كثرة الإنتقاد للمحيطين مما يعيق التواصل الجيد مع المجتمع أو تصيد الأخطاء بالآخرين والشعور بكراهيتهم.
- الشعور بالإحباط والعجز عند مراجعة أحوال المجتمع أو متابعة شئون المسلمين.
- الرغبة في الانضمام لصفوف الجهاد والاستشهاد كوسيلة وحيدة لحل مشكلات المسلمين.
أما أسباب ذلك فتمثلت في:
- عدم تدريب المراهق داخل الأسرة أو في المدرسة على كيفية ممارسة الدور الإيجابي.
- افتقاد المراهق لقدوة صالحة داخل الأسرة أو خارجها.
- عدم قيام وسائل الإعلام بدورها في تعزيز قيم الإيجابية.
- الروح العامة في المجتمع حيث تنتشر قيم السلبية والانهزامية والتواكل.
- طبيعة فترة المراهقة التي تتسم بالثورة على قيم المجتمع وبالحماس والاندفاع.
- الفهم الخاطئ لطبيعة الإسلام ولسبا نهوض المجتمع.
ونستخلص فيما يلي رؤية الصفحة تجاه أهم هذه المعاني في علاقة المراهق بمجتمعه :
- أن تقديم النصح للآخرين أمر طيب رغب فيه الإسلام ولكن المهم أداء النصيحة على أفضل وجه بالصورة التي لا تمس الآخرين ويجب أن يقتصر الدافع للنصيحة على الحرص على مصلحة الآخرين دون تعمد إظهار الأفضلية أو التباهي بالعلم كما يجب الانتباه أن النصيحة لا تكون في الأمور الخلافية حتى لايبدو الأمر وكأنه نوع من فرض وجهات النظر .
- أن الإيجابية والشعور بالمسئولية في هذه المرحلة العمرية قوة دافعة للخير وتأكيد الذات ولكن بشرط أن تتحول إلى واجبات عملية والخروج من دائرة الشعارات والحماسة غير المنضبطة والأفضل ممارستها في إطار جمعي منظم.
- يجب إدراك أن الكمال لله وحده ، وأن كل إنسان إلى نقصان ، وأن المحيطين يوجد بهم السلبيات والايجابيات وأن رفض سلوكيات بعض الأشخاص معناه كراهية السلوك وليس كراهية الأشخاص لأننا لا نحكم على الأشخاص بتصرفاتهم بل يجب الحكم بموضوعية لأن رؤية السلبيات تعمي عن رؤية الإيجابيات مع تذكر الإنسان أنه هو نفسه لا يخلو من النقائص وأن أفراد المجتمع يكمل بعضهم بعضاً .
- أن مسألة الاهتمام بأمر المسلمين والوعي بمشكلات المجتمع أمر محمود ولكن لا ينبغي أن تكون نتيجة هذا الاهتمام الشعور بالإحباط والعجز، فهذه نتيجة سلبية؛ لأنها ستؤدي إلى القعود، وفقدان الأمل؛ لتزداد الأمور سوءاً على سوء ، ولكن يجب تحويل هذا الإهتمام إلى طاقة إيجابية تدفع للتفكير في سبل الخروج من هذا الوضع والسعي لتغييره .
- أن نصرة الإسلام تحتاج إلى فهم عميق لهذا الدين ومعانيه، حتى لا يؤدي الفهم الخاطئ له إلى إلحاق الضرر بالفرد أو بالإسلام نفسه ، وهذا يحتاج إلى دراسة ووعي بمفردات الواقع، وبدروس التاريخ، ثم التسلح بسلاح العلم والبراعة في التخصص مما يمهد لنواة نهضة حضارية حقيقية.
- الحماس جميل، ولكن بشرط أن يتحول إلى عمل منظم ومثمر ومنتج، والخروج ببرنامج عملي يخدم قضيتنا وبذلك يكون هناك وعي ونضج سياسي حقيقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق