الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

محمد العريان لـ "فورين بوليسي": مصر تواجه الآن ما شهدته دول أخرى تعرضت لحركات ثورية مماثلة ونهضت بعدها

أمل خيري

جريدة الشعب - العدد الرابع
 
"الاقتصاد المصري كالحصان العربي الذي ينطلق على أرض غير ممهدة ولوجهة غير مؤكدة، ولكنه مع قليل من الوضوح والثبات يمكنه أن ينطلق سريعا بتحمل وأناقة".
هكذا عبر الخبير الاقتصادي المصري العالمي محمد العريان عن رؤيته للاقتصاد المصري الحالي الذي وصفه بأنه أبعد ما يكون عن الطمأنينة في ظل انخفاض النمو وضعف الاستثمارات وارتفاع البطالة مما يبعث على التشاؤم في الوقت القريب، إلا أن ما يدعو للتفاؤل أن ما تواجهه مصر حتى الآن قد شهدته دول أخرى تعرضت لحراكات ثورية مماثلة كما حدث أثناء انتقال جنوب أفريقيا من نظام الفصل العنصري سلميا، وكما رأيناه في دول أوروبا الوسطى والشرقية كالمجر وبولندا والتي واجهت تحديات ثورية واسعة النطاق، بل مازالت هناك دولا بين جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وأفريقيا، تصارع تحولاتها الثورية.
وبالمقارنة بين الوضع المصري وغيره من الاقتصادات الأخرى فإن مصر لديها العديد من السمات التي تبعث على الأمل في تحقيق الثورة لأهدافها من العدالة الاجتماعية. وأكد العريان في مقاله المنشور بمجلة فورين بوليسي هذا الأسبوع بعنوان "الحصان العربي"، أن هناك خمسة أسباب على الأقل تستدعي التفاؤل الحذر بشأن الاقتصاد المصري، يأتي على رأسها الاهتمام الموسع بين الأحزاب السياسية والحركات الثورية الشبابية بالاقتصاد، صحيح أن الاقتصاد ليس كل شيء لكنه المفتاح لتلبية التطلعات المشروعة لأكثر من 80 مليون مصري، أما السبب الثاني فيكمن في توافر العوامل المادية والبشرية المؤهلة للنمو الاقتصادي المرتفع وتغذية سوق العمل الديناميكية، فلا يمكن تجاهل أن هذا الاقتصاد قد تمكن من تحقيق نوبات نمو مرتفع في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين رغم مناخ الاستبداد وانتشار الفساد وسوء توزيع الموارد والاحتكار الذي كانت تمارسه القوى المقربة للنظام السابق.
ويتمثل السبب الثالث في قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية بفضل السوق المحلية الواسعة وزيادة استهلاك المواد الأساسية، وفي ظل وجود سياسية ديمقراطية مستقرة تتزايد التوقعات بتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي لن تنحصر في رأس المال فقط بل ستتضمن أيضا نقل التكنولوجيا، واتباع نهج الإدارة الجديدة، وامكانات هائلة للاستثمارات المشتركة مع الشركات المحلية.
وتعد التحويلات النقدية للمصريين بالخارج السبب الرابع الذي يدفع للتفاؤل، فهناك الكثير من المغتربين على استعداد لدعم بلادهم من أجل تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي بعد أن يشهدوا مزيدا من الاستقرار السياسي وهو الأمر الذي لم يكن واردا قبل عامين من الآن.
السبب الأخير في نظر العريان وهو الأهم مما سبق، أن المصريين في عمومهم اليوم أصبح لديهم الشعور باستعادة بلدهم بعد سنوات من التهميش مما زاد من الشعور بالمسئولية والمزيد من المشاركة في خدمة المجتمع وسائر أشكال المشاركة المدنية الأخرى، فلم يعد هناك الشعور بأن عوائد الاقتصاد متجهة فقط لخدمة النخب الحاكمة والدوائر المحيطة بها.
ومع كل هذه الأسباب للتفاؤل فإن التحدي الحاسم الذي يواجهه الاقتصاد المصري يتمثل في ضرورة تقصير الفترة الانتقالية التي تستهلك المزيد من التكاليف البشرية والمادية، ولابد من الإسراع في وضع سياسة أكثر تماسكا لتلعب دورا حاسما في تسريع وتعظيم الفوائد والتكاليف.
وبعد اختيار الحكومة الجديدة فإن هناك أربع قضايا رئيسية ينبغي على الحكومة أن توليها الاهتمام، وفي مقدمتها إعداد وتنفيذ رؤية وخطة اقتصادية متماسكة متوسطة الأجل ذات أهداف محددة وشفافة، كما يجب وضع خطة سريعة لتحقيق الاستقرار الفوري للتقليل من خطر انزلاق مصر إلى أزمة مالية، وفي الوقت نفسه ينبغي إشراك الدائنين الأجانب وفقا لشروط تتلائم مع الاحتياجات التنموية للبلاد، وأخيرا يتعين إعادة توجيه برنامج الدعم المكلف الذي لا يصل إلى مستحقيه.
وهذا يستلزم سرعة تفكيك بعض الاحتكارات القائمة، مع مجموعة من الإصلاحات الضريبية والحد من الإنفاق الحكومي، وضمان استخدام الموارد الشحيحة على نحو أكثر فعالية، كما ينبغي معالجة ثغرات النظام المالي التي يمكن أن تساهم في تحسين تعبئة المدخرات الخاصة المحلية وتخصيصها لتحسين الاستثمارات المنتجة.
من الجدير بالذكر أن محمد العريان يعد من أبرز الخبراء الاقتصاديين في العالم، وقد عمل لمدة 15 عاما لدى صندوق النقد الدولي في واشنطن قبل تحوله للعمل في القطاع الخاص، ويتولى حاليا منصب الرئيس التنفيذي في مؤسسة بيمكو الاستثمارية العالمية، ويعرف في الأوساط المالية العالمية بـ "حكيم وول ستريت"، كما احتل المرتبة الحادية عشر ضمن قائمة أقوى 500 شخصية عربية من مجلة أريبيان بزنس لعام 2011.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق