أمل خيري
انبرى العديد من الإعلاميين
ومروجي الإشاعات لتحميل أزمة انقطاع الكهرباء المتكررة إلى قيام مصر بتوصيل
الكهرباء إلى قطاع غزة، بل ونسب البعض زورا إلى رئيس الجمهورية تصريحه بأن على
المواطن المصري أن يتحمل انقطاع الكهرباء دعما لإخوانه في غزة، وذكروا أنه قال ذلك
في حديثه لإذاعة البرنامج العام بما نصه "ا
والحقيقة أنه ما من تصريح
على هذا النحو قد صدر من الرئيس ولا من أي جهة رسمية، وقد نفى ابرنامج "الشعب يسأل والرئيس يجيب"- قائلا أن
الرئاسة
أزمة الكهرباء لا علاقة لها بغزة، وأن تصدير الكهرباء
لغزة شائعات، ولا يمكن أن تتم تلبية احتياجات غزة بالكهرباء على حساب المصريين،
نافية أن يكون الرئيس قد أصدر أي توجيهات بتصدير الكهرباء لغزة.
نأتي للسؤال: بعيدا عن التصريحات الرسمية، هل يمكن فعلا أن تكون كهرباء غزة هي السبب في انقطاع الكهرباء في مصر؟
دعونا إذن نحلل الأمر منذ
البداية:
هل تعلم أن مساحة قطاع غزة
لا تزيد عن 360 كم2 أي حوالي نصف مساحة إحدى المحافظات في مصر، ويبلغ عدد سكانها
مليون ونصف نسمة، أي لا يتجاوز عدد سكان أحد أحياء القاهرة؟. وإذا علمنا أن الحاجة الحقيقية للقطاع من الكهرباء
لا تزيد عن 360 ميجاوات، وأن محطة الكهرباء في غزة يمكنها أن تقوم بتوليد هذه
الكميات، ولكنها تحتاج إلى 500 ألف لتر
سولار صناعي يومياً لتشغيلها.
وخلال
الفترة من 2007- 2009 كانت محطة التوليد تعتمد على توريد الوقود الصناعي لها من
معبر كرم أبو سالم، والذي يتكلف 15 مليون دولار يوميا، تدفع غزة منه 2 مليون فقط،
في حين يقوم الاتحاد الأوروبي بدفع فارق المبلغ كمعونات مادية، إلا أنه مع نهاية 2009
قرر الاتحاد الأوروبي تحويل المبلغ المخصص لتمويل وقود المحطة إلى خزينة وزارة
المالية برام الله بدلا من غزة بناء على طلب حكومة سلام فياض التي تعاني من أزمة
مالية، ومن ثم أصبحت الكميات التى ترسلها رام الله قليلة تكفي بالكاد لتشغيل
مولدين فقط، وبالتدريج انخفضت هذه الكمية حتى أصبحت لا تكاد تكفى لتشغيل مولد واحد،
وفي بعض الأحيان كانت الحكومة في غزة تضطر لإطفاء المحطة لامتناع رام الله عن
التوريد تماما مما أدى إلى عجز في الوقود يصل إلى 50%.
ومما
فاقم الأوضاع قيام السلطات المصرية بإغلاق معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة في عهد
المخلوع، وبالتالي سدت كل الأبواب أمام وصول السولار اللازم لتشغيل محطة الكهرباء،
باستثناء الأنفاق التي كانت تكلف المواطن في غزة ستة جنيهات عن كل لتر سولار. وعلى
الرغم من تبرع قطر ب30 مليون لتر من السولار لمحطة الكهرباء الوحيدة في غزة إلا أن
السلطات المصرية احتجزتها منذ ابريل الماضي في ميناء السويس نتيجة لإغلاق المعبر،
وذلك بعد أن رفض الجانب الإسرائيلي إدخالها عبر معبر كرم أبو سالم، وإصراره على
نقل الحمولة عبر معبر العوجة، مما يتطلب تكلفة باهظة لنقل حمولة الباخرة ، إضافة إلى حصول اسرائيل على مليار ونصف
دولار كرسوم لدخول الشاحنات الخليجية لغزة.
نأتي إذن لمحاولة استجلاء ما الذي فعله الرئيس محمد مرسي بخصوص كهرباء غزة، وهل صحيح أنه بعد زيارة هنية لمصر أعطى الكهرباء لغزة وترك المصريين يغرقون في الظلام؟
الحقيقة
أن كل ما اتفق عليه الطرفان أن يقوم الجانب المصري بتحسين عملية نقل الوقود الذي
تبرعت به قطر للقطاع والمحتجز في ميناء السويس، وزيادة كمية الوقود المنقولة إلى
نحو نصف مليون لتر يومياً بدلاً من نحو 150 ألف لتر، وذلك لأن نقل كميات قليلة يوميا
لا يفي بحاجة محطة الكهرباء. كما وافقت مصر على زيادة عدد الشاحنات التي تحمل الوقود القطري لقطاع
غزة من 6 شاحنات يوميًا إلى 10 شاحنات، وكذلك وافقت على إمداد خط أنبوب غاز مصري
لشركة لتوليد الكهرباء بالقطاع مستقبلاً لزيادة الإنتاج من 22 ميجاوات إلى 30
ميجاوات.
ويخطئ من يظن أن هذا الخط هو المتسبب في أزمة انقطاع الكهرباء
في مصر؛ إذ أن ما تم حتى الآن مجرد اتفاق على إنشاء الخط وهو ما يستلزم شهورا أو
أعواما وليس مجرد أيام معدودة!. بالإضافة إلى أن فارق الانتاج الذي تحتاجه غزة لا
يزيد عن 8 ميجاوات، وهو ما يمثل نسبة ضئيلة جدا لا تكاد تذكر من إجمالي إنتاج
الكهرباء في مصر الذي يصل إلى 24 جيجا وات، ومن ثم فإن حاجة القطاع ربما لا تزيد
عما يستهلكه مصنع واحد من المصانع المصرية من الكهرباء.
غزة إذن بريئة من انقطاع الكهرباء في مصر، وإن كان هذا لا
يعني أن تتخلى مصر عن شقيقتها الأصغر أو أن تمتنع عن دعم الأشقاء الفلسطينيين
المحاصرين في غزة ولو حتى بتسهيل إدخال المعونات إليها عبر أراضيها، في حين كان
جميع المصريين يطالبون النظام السابق بتخفيف الحصار على غزة، ويتهمونه بمشاركة
الصهاينة في قتل الفلسطينيين وحصارهم، وكل ما فعله الرئيس الحالي أن قام بتخفيف
هذا الحصار دون انتقاص من موارد مصر، ويبدو أن هذا الحصار سيظل مفروضا نتيجة
افتعال إسرائيل لأزمات حدودية تؤدي لإحكام الحصار مرة أخرى وإغلاق المعابر، ونأمل
ألا يتسبب حادث رفح الأخير في إعادة هذا الحصار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق