الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

قرض صندوق النقد الدولي.. مخاوف مشروعة وبدائل مقترحة

هل تسير مصر على خطى ماليزيا أم تركيا؟


أمل خيري


جريدة الشعب - العدد السابع - 28 أغسطس 2012

على مدى أكثر من عام منذ انطلاق الثورة المصرية استمرت المفاوضات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي حول حصول مصر على قرض قيمته أربعة مليارات وثمانمئة مليون دولار، إلا أن المفاوضات ظلت متعثرة نتيجة مخاوف عدة. وجاء اللقاء الذي تم الأربعاء الماضي بين الدكتور محمد مرسي وكريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي بهدف التعرف على القيادة السياسية فى مصر، وتحديد السياسات العامة والإستراتيجيات للتعامل بين الصندوق ومصر، دون التطرق للتفاصيل الفنية والرقمية بحسب بيان صادر عن الرئاسة.


وقد أوضحت السيدة لا جارد أن الزيارة لا تهدف إلى الدخول فى التفاصيل الفنية، وإنما لإظهار الالتزام والدعم لمصر، لتثبيت الاستقرار وتحسين مناخ الثقة، مما يشجع المستثمرين، ويعمل على جلب وجذب الاستثمارات الخارجية إلى مصر، حيث يرى صندوق النقد أن مصر تعيش لحظة فارقة تحتاج إلى دعم كل المؤسسات فى العالم. وأكدت السيدة لاجارد فى المقابلة على أن صندوق النقد ملتزم بدعم ومساندة مصر فى فترة عملية التحول الديمقراطي التي تشهدها، وأن زيارتها تأتي لإظهار الثبات والاستقرار الذي يحظى به الاقتصاد المصري ، وأنهم يرون أن مصر تعيش لحظة فارقة.


لماذا الاقتراض؟


لجوء مصر للاقتراض من المؤسسة الدولية يأتي على ضوء ما تواجهه مصر من عجز في الموازنة العامة للعام المالي 2012/2013 يقدر بحوالي 141 مليار جنيه؛ حيث بلغ إجمالي حجم الموازنة 927,1 مليار جنيه، خصص منها للمصروفات 533,7 مليار جنيه، في حين بلغت الإيرادات 393,4 مليار جنيه فقط. يتزامن ذلك مع تضاعف العجز في ميزان المدفوعات في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2011، ليصل إلى 11,2 مليار دولار (67,91 مليار جنيه) ارتفاعا من 5,5 مليار دولار (33,35 مليار جنيه) خلال نفس الفترة من العام السابق، مما أدى إلى تضاؤل ​​الاحتياطيات الدولية، كما ارتفع العجز في الحساب الجاري ارتفاعا حادا إلى 6,4 مليار دولار (38,80 مليار جنيه) من 4,7 مليار دولار (28,49 مليار جنيه).


كما سجل الاستثمار الأجنبي المباشر انخفاضا ملحوظا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2011، ليصل إلى 218 مليون دولار (1,32 مليار جنيه) مقابل 2,1 مليار دولار (12,73 مليار جنيه) عن العام السابق وذلك نتيجة عدم الاستقرار الذي شهدته البلاد خلال المرحلة الانتقالية. ويشار في هذا الصدد إلى أن الاحتياطيات الأجنبية قد تراجعت بشكل حاد منذ يناير 2011 بقيمة لا تقل عن 21,7 مليار دولار، وفي ظل كل هذه المعطيات لجأت الحكومة للاقتراض المحلي، ويشير التقرير المالي الشهري الصادر عن وزارة المالية لشهر يوليو إلى ارتفاع نسبة الدين المحلى لأجهزة الموازنة العامة ليصل إلى 70,5 % من الناتج المحلى فى نهاية مارس 2012 مسجلاً 1098,4 مليار جنيه (1,098 تريليون جنيه)، مقارنة ب 932,6 مليار جنيه فى نهاية مارس من العام الماضى، فيما بلغ رصيد الدين الخارجي 33 مليار دولار.


وعلى الرغم من المبررات القوية التي تدفع باتجاه المضي قدما في الحصول على القرض من المؤسسة الدولية إلا أن هناك العديد من الخبراء والقوى السياسية أبدوا رفضهم لهذه الخطوة، مذكرين بما أدت إليه سياسات الصندوق من إفقار دول أمريكا اللاتينية، والعديد من الدول الأخرى في شرق أوروبا، وهناك بعض النشطاء الذين قدموا مبادرات تقترح بدائل للقرض.


ومن بين هذه المبادرات ما كتبه وائل جمال في ورقة بعنوان "برلمان ما بعد الثورة والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية – العلاقة مع المؤسسات الاقتصادية الدولية"، والتي قدمت لمنتدى البدائل العربي للدراسات في مايو ٢٠١٢، وما ورد في مذكرة مقدمة من الحملة الشعبية لإسقاط ديون مصر لمجلس الشعب في فبراير ٢٠١٢ بعنوان "مقترحات بديلة عن الخطة الحكومية للإصلاح الاقتصادي" والتي أعدها رضا عيسى وعمرو عادلي.


ومن أهم هذه البدائل تخفيض دعم الطاقة للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، فبحسب تقدير رئيس هيئة التنمية الصناعية السابق في 2007 فإن نصيب أربعين مصنعا عاملا في قطاعات الأسمنت والحديد والأسمدة والبتروكيماويات يبلغ نحو 75% من إجمالي دعم الطاقة للقطاع الصناعي وحوالي 65% من إجمالي دعم الكهرباء، وهذا الدعم بالطبع ترجم إلى أرباح صافية لهذه المصانع التي أضافت إلى ذلك تورطها في ممارسات احتكارية. وهناك العديد من البدائل الأخرى كفرض ضريبة 10% على الثروات التي تتعدى 50 مليون جنيه تفرض مرة واحدة في العمر، ومراجعة عقود تصدير الغاز مع الأردن وإسبانيا والتي تصيب الجانب المصري بخسائر لا تقل عن ملياري جنيه سنويا، كما يمكن فرض ضريبة تصاعدية على الدخل تصل بشريحتها العليا إلى 35% مما يوفر للميزانية 10 مليارات جنيه سنويا، بالإضافة إلى تفعيل الضريبة العقارية على ملاك المنتجعات السياحية والمجمعات السكنية الفاخرة.


وينتقد البعض اتجاه الرئيس والحكومة للمضي في إجراءات القرض على الرغم من رفض حزب الحرية والعدالة من قبل لهذا القرض إبان حكومة الجنزوري، غير أن الحزب بالفعل لم يرفض القرض ولكنه اشترط للموافقة عليه أن يتم تحديد بنود إنفاقه بشفافية، وأن يتم اللجوء إليه بعد استنفاذ كافة البدائل الأخرى، كما ذكر مصطفى النجار عضو مجلس الشعب في تدوينه له على موقع الفيسبوك "حقائق للتاريخ الإخوان أوقفوا تسلم القرض اثناء حكومة الجنزورى وقالوا لصندوق النقد لا نثق فى حكومته، نفضل أن يكون القرض عقب تشكيل حكومة جديدة"، بالإضافة إلى الصندوق نفسه اشترط وجود حكومة جديدة ورئيس منتخب قبل اتمام توقيع العقد وهو ما دفع برئيسة الصندوق للإسراع بزيارة مصر عقب الإطاحة بالمجلس العسكري.

وفي ظل حقيقة أن التعاقد على مثل هذا القرض ينبغي مناقشته في البرلمان قبل أن تمضي الحكومة في تنفيذه فإن حل مجلس الشعب قد صعب المهمة على الحكومة وجعلها في موقف لا تحسد عليه، فهي من جهة تريد التوقيع على القرض لتوفير السيولة اللازمة للاستثمارات، ومن جهة أخرى تواجه بالرفض والتخوفات من قبل القوى السياسية.


القروض الربوية


من جانبه أكد الدكتور حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الأزهر في بحث له بعنوان "الإقتراض من صندوق النقد الدولي في ميزان الاقتصاد الإسلامي" أنه في حين يرى جمهور الفقهاء أن فائدة القرض هى عين الربا المحرم شرعا إلا أنهم وضعوا عدة ضوابط شرعية لتعريف الضرورة التى تبيح التعامل فى القروض بفائدة، ومن بينها أن تكون الضرورة ملجئة أو تؤدي لمشقة، وأن تكون قائمة لا منتظرة، وألا يكون لدفع الضرر وسيلة إلا ارتكاب هذا الأمر، وأن تكون قد سدت كافة السبل الحلال المتاحة والوصول إلى مرحلة الضرورات لتطبيق القاعدة الشرعية :"الضرورات تبيح المحظورات".


وقدم الدكتور حسين شحاتة العديد من الحلول البديلة لزيادة الموارد والاستغناء عن الاقتراض بفائدة ربوية في مصر، من أهمها ترشيد الانفاق الحكومي بتطبيق فقه الأولويات الإسلامية، وضم موارد الصناديق الخاصة إلى موارد الموازنة العامة، ومحاربة الفساد المالي والاقتصادي المستشرى في ربوع الوحدات الحكومية ولا سيما في المحليات، وتطبيق نظام الضريبة التصاعدية على الأغنياء وإعفاء الفقراء من هم دون حد الكفاية من الضرائب الظالمة، وإعادة النظر في ضريبة المبيعات بحيث يزيد عبؤها على السلع والخدمات الكمالية ويخفف عبؤها من على السلع والخدمات الضرورية التى تهم الطبقة الفقيرة، وتطبيق نظام الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور بما يحقق العدالة الاجتماعية، وإعادة النظر في سياسات الدعم والذي يستفيد منه الأغنياء ولا سيما كبار رجال الأعمال والذي لا يصل إلى الفقراء، وإعطاء الأمان لأموال المصريين في الخارج وغيرهم والتى هربت بسبب قهر وظلم وفساد النظام السابق، وتطبيق قاعدة لا كسب بلا جهد ولا جهد بلا كسب بحيث يعاد النظر فيما يعطي للمستشاريين الموجودين في الوزارات والمصالح الحكومية من مكافآت بدون منفعة، وفرض ضريبة على المعاملات قصيرة الأجل الوهمية في البورصة، كما يدعو شحاتة إلى تطبيق نظام الزكاة والوقف الخيرى للمساهمة في التنمية الاجتماعية، مما يخفف من الأعباء على موازنة الدولة. أما في حالة عدم كفاية موارد هذه السبل البديلة، فإنه حينئذ يطبق فقه الضرورة بالضوابط الشرعية للإقتراض بفائدة، والتي سبق الإشارة إليها.


بين التجربة الماليزية والتركية

وفي مقابل رفض القرض هناك أصوات أخرى لا ترى فيه غضاضة بل تعتبره بمثابة شهادة ثقة لدى المؤسسات الدولية والجهات المانحة في الاقتصاد المصري مما يشجع على ضخ المزيد من الاستثمارات، خاصة أن القرض له فترة سماح 39 شهر، وهو ما يعني أنه لو استطاعت مصر أن تجتذب الاستثمارات خلال هذه الفترة وتسدد القرض فلن تدفع مقابله فائدة، بالإضافة إلى أن فائدة القرض تبلغ 1,1% وهو من أقل المعدلات، ويكفي أن نقارنها بمعدل الفائدة على الدين المحلي الذي يبلغ 12%، بالإضافة إلى أن الصندوق لم يفرض أية شروط على مصر.


وما بين قبول القرض أو رفضه يمكننا استحضار التجربتين الماليزية والتركية في هذا الصدد، حيث يقدم النموذج الماليزي الدليل على إمكانية الاستغناء عن القرض، في حين تدلل التجربة التركية على أهمية القرض.


نتذكر جميعا الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي شهدتها دول النمور الآسيوية ومن بينها ماليزيا عام 1997، والتي ترتب عليها انهيار العملات المحلية وارتفاع الديون الخارجية، وقد أدت الأزمة إلى انكماش الاقتصاد الماليزي بنسبة 6,2%، مما حدا بصندوق النقد أن يتقدم عارضا المساعدة على الحكومة ممليا شروطا مجحفة رفضتها الحكومة آنذاك، التي قامت في المقابل بتأسيس مجلس قومي لإدارة السياسة الاقتصادية في البلاد، وقد استطاعت الحكومة تنفيذ عدد من السياسات خاصة في جانب مكافحة الفساد وإعادة توزيع الثروات، وسياسة إحلال المنتجات الوطنية محل الواردات، مما أدى إلى استعادة الاقتصاد الماليزي عافيته في عام 2000، وتعدى معدل النمو الاقتصادي 8%.


في الجهة الأخرى تبرز التجربة التركية لتدلل على دور القروض في انعاش الاقتصاد، حيث واجهت تركيا أزمة اقتصادية مماثلة في أواخر التسعينيات، ترتب عليها انهيار للجهاز المصرفي وإفلاس العديد من البنوك والشركات الخاصة وارتفاع معدلات التضخم لأكثر من 100%، مع انهيار الليرة التركية، حتى أن سعر الدولار ارتفع مقابل الليرة التركية من 0,690 ليرة تركية إلى 1,7 ليرة تركية في ليلة واحدة!، وبالتالي فقد المجتمع الدولى ثقته فى الاقتصاد التركى.


من هنا لجأت تركيا للاقتراض من صندوق النقد واستطاعت بفضل هذا القرض استعادة الثقة في اقتصادها مما أدى لتدفق الاستثمارات الأجنبية للبلاد ووفر سيولة للمشروعات التنموية والاستثمارية حتى أصبحت من أقوى الاقتصادات العالمية، بل وقررت الحكومة التركية مؤخرا تقديم قرض لصندوق النقد بقيمة 5 مليارات دولار وقال بولنت أرينتش نائب رئيس الحكومة التركية في تصريح لوكالة الأنباء التركية أن اقتصاد بلاده مر بفترات حرجة جدا حيث كانت أنقرة تطرق الأبواب لإيجاد مليون دولار فقط لكنها وصلت الآن إلى مستوى اقتصادي جيد جعل صندوق النقد الدولي يطلب منها قرضا قيمته 5 مليارات دولار، مشيرا إلى أن الحكومة التركية وعدت الصندوق بإقراضه بالمبلغ المطلوب عن قريب. 


ربما تقدم التجربتان الماليزية والتركية مسارين متباينين يمكن للحكومة المصرية أن تختار من بينهما إلا أن الرسالة الأهم التي نريد توجيهها للحكومة ضرورة أن تتخذ إجراءات نحو مزيد من الشفافية أثناء هذه المفاوضات وألا تقع في نفس ما وقعت فيه حكومة الجنزوري من عدم توضيح الشروط التي يمليها الصندوق وبنود إنفاق القرض، كما يمكن لمصر على سبيل المثال أن تطلب من تركيا مباشرة إقراضها الخمسة مليارات دولار التي تعتزم تقديمها للصندوق مقابل المزيد من الاستثمارات التركية في مصر بدلا من الإذعان لشروط الصندوق. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق