إلغاء الدعم ليس هو الحل.. ولابد من
شفافية قطاع البترول
النظام السابق أوهم الشعب أن قطاع
البترول يحقق فائضا لتبرير ارتفاع مخصصاته
كتبت: أمل خيري
جانب من الندوة |
ما زال الحديث حول الدعم يحتل مساحة
كبيرة من النقاشات ما بين مؤيد ومعارض لإلغاءه أو إعادة هيكلته، خاصة أن الموضوع
يرتبط ارتباطا وثيقا بالمفاوضات الدائرة حول قرض صندوق النقد الدولي، حتى وإن
أنكرت الحكومة وجود شروط للتوقيع على القرض، فستظل حقيقة أن قضية هيكلة الدعم باتت
على رأس أولويات الحكومة الحالية وكأنها الحل السحري الأوحد لتخفيض عجز الموازنة.
وحول هذا الموضوع نظمت المبادرة
المصرية للحقوق الشخصية ندوة بعنوان: "دعم الطاقة بين عجز الموازنة والعدالة
الاقتصادية والاجتماعية"، يوم الأربعاء 17 أكتوبر 2012، والتي شارك
فيها الدكتور سامر سليمان أستاذ الاقتصاد السياسي المساعد بالجامعة الأمريكية، والدكتور
عمرو عادلي مدير وحدة العدالة الاقتصادية
والاجتماعية بالمبادرة المصرية.
أشار الدكتور عمرو عادلي في بداية
حديثه إلى أن أسعار الوقود ظلت مثبتة بشكل مطلق منذ عام 1993 بقرار جمهوري، ولم
يتم تعديلها إلا في عام 2007 بهوامش بسيطة جدا، ومع ذلك أثارت الاستياء والتذمر
وقتها، لذا فلا يجب اتخاذ قرارات نتسرعة لخفض الدعم بغية تدارك العجز في الموازنة
أو انصياعا لمشروطية صندوق النقد الدولي في ظل أزمة اقتصادية قد تدفع الحكومة
للمضي قدما في إجراءات التوقيع على القرض.
ولفت عادلي إلى أنه على الرغم من
تمثيل دعم الطاقة لنسبة 11% من إجمالي الناتج المحلي إلا أننا لابد أن نتعرف على
العوامل التي أدت ارتفاع هذا الدعم، وعلى رأسها الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء
والطاقة العالمية، وإل تجاوز الاستهلاك المحلي للإنتاج، واضطرار الحكومة المصرية
إلى شراء المنتجات البترولية بالأسعار العالمية. فقد تراجع إنتاج واحتياطات
البترول في مصر بشكل مستمر منذ بداية التسعينيات وفقا لاحصائيات وزارة البترول
التي تشير إلى أن الصادرات قد تراجعت من 9,5 مليون طن في 1993/1994 إلى 2,9 مليون
طن في 1998/1999، وهو ما تزامن مع ارتفاع كبير في معدلات الاستهلاك المحلي من 17,4
مليون طن إلى 23,9 مليون طن خلال الفترة نفسها، ثم لم تلبث أن ارتفعت أكثر إلى 29
مليون طن في 2006/2007 لتصبح مصر دولة مستوردة للبترول.
واستكمل الدكتور سامر سليمان الحديث حول هذه النقطة مؤكدا أننا
بالفعل نستورد 25% من احتياجاتنا البترولية على العكس مما يتصوره البعض؛ فقد كانت
مصر حتى فترة الثمانينيات والتسعينيات مصدرة للبترول ثم تحولت لدولة مستوردة صافية
لكنها ظلت تتعامل كما لو كانت دولة مصدرة، وظل الاتعقاد السائد أن قطاع البترول
يدر دخلا للبلاد، ولم نكتشف إلا مؤخرا أن العكس هو الصحيح وأن هذا القطاع يلتهم
الكثير من الموازنة، ويعود السبب في ذلك إلى أن هناك طريقة معقدة لحساب الموازنة
العامة للدولة؛ إذ أن مصر تستورد بترول موجود على أراضيها!، فمن خلال شركات مشتركة
مصرية أجنبية، يتم الإنتاج مناصفة بين مصر والشركة الأجنبية، فتحصل مصر على حصتها،
ثم تشتري حصة الشريك الأجنبي بالأسعار العالمية، وهذا لم يكشف عنه إلا بعد الثورة.
ويؤكد سليمان أن هناك بعد سياسي هام
لهذه الأحجية؛ ففي العشرين عام الأخيرة كان قطاع البترول إقطاعية شبه منفصلة، مما
جعل الحقائق غائبة عن الساحة السياسية والإعلامية، وساد الانطباع أن هذا القطاع
يحقق فائضا للدولة، وهو الانطباع الذي حرص نظام مبارك على تأكيده تبريرا لهيراركية
الأجور المشوهة التي اتبعها النظام السابق، فقد كانت قطاعات البترول وقناة السويس
ووزارة الخارجية والمخابرات تحصد أعلى الأجور، مقابل تدني أجور باقي القطاعات، وتم
تبرير هذا التشوه في الأجور بأمرين، أولهما مبرر أمني لحفظ نزاهة وأخلاقيات العاملين
بهذه القطاعات نظرا لحساسيتها وخطورتها على الأمن القومي، والثاني بالزعم أن هذه
القطاعات تدر إيرادا كبيرا للدولة، وللتدليل على ذلك يكفي الإشارة إلى أن الدكتور
مصطفى الفقي حين كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب ظل يدافع عن زيادة
مخصصات وزارة الخارجية في الموزانة بحجة أنها وزارة تدر دخلا ويقصد بالطبع (المنح
والقروض)، من هنا حرص نظام مبارك على إظهار أن قطاع البترول يحقق دخلا وفائضا
للدولة لتبرير المخصصات المرتفعة لهذا القطاع في الموازنة العامة للدولة.
واستمر هذا الوضع حتى عام 2007، حيث
لم يستطع أحد الاقتراب من قطاع البترول، ثم بدأت تتكشف بعض الحقائق، وأن الوزارة
تعمل بالعجز وتستدين من القطاع المصرفي، لذا لابد من الاستفادة من هذا الدرس بأن
يتم وضع الموزانة فيما بعد بشكل أكثر شفافية ووضوحا.
وأضاف سليمان أن ما فجر الوضع حاليا
حول فكرة الدعم ليس فقط اكتشاف أن قطاع البترول يواجه عجزا، بل لأن ذلك ارتبط
بمرحلة مخاض تتعرض لها مصر أثناء التحول من دولة شبه ريعية إلى دولة تعتمد على
الضرائب، مع ما يمثله فرض الضرائب من إثقال كاهل المواطنين.
فمنذ نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات
بدأت الدولة الاعتماد على الاقتصاد الريعي (قناة السويس والبترول والغاز
والمساعدات الخارجية)، وهذه القطاعات الريعية مثلت نصف إيرادات الدولة في هذه
الفترة مما مكن مبارك من تثبيت أركان حكمه لوجود إيرادات معقولة تدرها هذه
القطاعات، إلا أنه بالتدريج ومنذ منتصف الثمانينيات بدأ منحنى إيرادات الدولة
الريعية ينخفض سواء كقيمة مطلقة (كالمعونات مثلا) أو كنسبة من تزايد النفقات
والاستهلاك لزيادة السكان الطبيعية على مدى هذه السنوات دون زيادة مماثلة في هذه
الإيرادات، وبالتالي انخفضت قدرة هذه القطاعات على تنشيط الاقتصاد وبدأت مسألة عجز
الموازنة تتضح أكثر فأكثر، وهذا يفسر يوجه مبارك نحو طبع النقود مما زاد من
التضخم، وأخيرا اضطر إلى التحول نحو الضرائب التي ظل يتجنبها حتى التسعينيات، فبدأ
بضريبة غير مباشرة (المبيعات)، فقد كان منطق التكلفة السياسية للقرارات هو الحاكم
في هذه الفترة، حتى جاء عام 2005 الذي شهد بداية الإصلاح الضريبي والتي قدمت حينها
على فكرة تخفيض الضرائب مقابل الالتزام الضريبي، ثم شهدنا الضريبة العقارية في
الأعوام الأخيرة. وتأتي نهاية نظام مبارك في ظل هذا التحول من دولة ريعية إلى دولة
ضرائبية، وهنا جاء النظام الجديد في هذا الظرف التاريخي الذي كان من أحد أسباب
سقوط نظام مبارك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق