الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

التعاونيات قاطرة التنمية المستقلة


في العام الدولي للتعاونيات 2012


أمل خيري


في الوقت الذي تحتفل فيه الأمم المتحدة بالعام الدولي للتعاونيات 2012، تأتي وفاة فيرغيز كورين الشهر الماضي كأحد أهم رواد العمل التعاوني في العالم، ومهندس الثورة البيضاء في الهند، والذي استطاع تحويل الهند من خلال تعاونيات الألبان من بلد فقير مستورد للألبان إلى واحدة من أكبر منتجي ومصدري الألبان ومنتجات الألبان في العالم، حتى أصبحت تستحوذ على 17% من إجمالي الإنتاج العالمي.

 


                                          نظرة على التعاونيات

 


نشطت الحركة التعاونية على مدى القرن الماضي عالميا، وكانت أحد العوامل الرئيسية التي قادت قاطرة التنمية في كثير من الدول. ويبلغ أعضاء الحركة التعاونية حاليا نحو 1,4 مليار من سكان العالم، وتتجاوز عائداتها فى السنوات الأخيرة نحو تريليون يورو، كما يوفر القطاع التعاوني 100 مليون وظيفة على مستوى العالم، أي بنسبة تزيد 20% عما توفره الشركات متعددة الجنسيات.


ووفق التحالف التعاوني الدولي International Co-operative Alliance، فإن الجمعية التعاونية على عبارة عن "جماعة مستقلة من الأشخاص، يتحدون اختيارياً، لتلبية احتياجاتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وتطلعاتهم المشتركة، من خلال الملكية الجماعية لمشروع، تتوافر فيه ديمقراطية الإدارة والرقابة".


وهناك سبعة مبادئ، تحدد عمل الجمعية التعاونية، وهي: العضوية الاختيارية المفتوحة، ديمقراطية الأعضاء الإدارية والرقابية، المشاركة الاقتصادية للأعضاء، الشخصية الذاتية المستقلة، التعليم والتدريب والمعلومات، التعاون بين التعاونيات، الاهتمام بشئون المجتمع .

وتساهم الجمعيات التعاونية في التخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية، وزيادة الاستقلالية والاعتماد على الذات لدى المنتجين، ومن ثم فإن لها دور حيوي في القضاء على الممارسات الاحتكارية التي تصاحب تطبيق النموذج الرأسمالي.


كما تضمن التعاونيات القضاء على الوسطاء المستغلين الذين يشترون المنتجات من المنتجين بأبخس الأثمان، ثم يبيعونها بأرباح طائلة، وبالتأكيد فإن الجهود الفردية المشتتة في الإنتاج تصبح أكثر عرضة للاستغلال، في حين تزيد الكيانات الجماعية من قوة التفاوض.

وفي كثير من بلاد العالم تساهم التعاونيات في زيادة الإنتاج، وتخفيف العبء على الدولة من خلال مشاركة القطاع العام في تحقيق التنمية. فعلى سبيل المثال يتم جني ومعالجة وبيع أكثر من نصف الإنتاج الزراعي في أوروبا، عن طريق نظام التسويق التعاوني، ففي الدانمارك يصل نصيب التعاونيات في إنتاج الألبان إلى أكثر من 60%، وفي هولندا تحتكر التعاونيات نسبة 59% من إنتاج الزهور، و28% من الخضراوات و57% من الفواكه التي يتم إنتاجها في البلاد، كما تساهم التعاونيات بنسبة 73% من إنتاج الأخشاب في النرويج. وتبلغ مساهمة التعاونيات في البرازيل نسبة 37,2% من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي عام 2009.


الهند رائدة التعاونيات


ومع ذلك تظل الهند هي الدولة الرائدة في مجال التعاونيات وخاصة تعاونيات الألبان بفضل جهود فيرغيز كورين؛ حيث تنتج الهند 16,5 مليون لتر من الحليب في 12 مليون مزرعة ألبان تعاونية يومياً، تشكل النساء غالبية العاملين فيها.


فيرغيز كورين


وتشكل الهند النموذج المثالي الذي يمكن أن تسير على هديه مصر وغيرها من الدول النامية في هذا المجال؛ فعلى سبيل المثال، وبرعاية المجلس القومي لتنمية إنتاج الألبان، استطاع مربو الماشية في قرية أناند بولاية جوجوراتي إنشاء جمعية تعاونية تقوم على نظام ديمقراطي 100%، يأتي هؤلاء يوميا بإنتاجهم من الألبان في أوعية نظيفة وتسلم للجمعية، حيث يوزن اللبن وتحلل نسبة الدهن ويتلقى المنتج ثمن اللبن على الفور، ثم تتولى الجمعية التعاونية تنفيذ كل عمليات التجميع والحفظ والنقل والتصنيع والتسويق نيابة عنه.


يمكن القول أن التعاونيات مثلت قطار التنمية في الهند، وهي التي تحققت بفضلها الثورة الزراعية والثورة في مجال الألبان، حيث تملك التعاونيات 100% من إجمالي إنتاج وتصنيع الأسمدة والآلات الزراعية والسكر والألبان، مما أدى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتحولت الهند في غضون سنوات قليلة من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة للغذاء.

 

 التعاونيات في مصر



مقارنة بين حجم القروض الاستثمارية في القطاع التعاوني
ما بين 2009/2010 و 2010/2011


تتكون الحركة التعاونية في مصر من الاتحادات التعاونية المركزية الخمسة (الاستهلاكي - الانتاجي - الزراعي - الاسكاني - الثروة المائية). ويبلغ عدد الجمعيات التعاونية الزراعية في مصر 5737 جمعية، كما يبلغ عدد أعضاء الجمعيات التعاونية 5,1 مليون عضو، وذلك وفق بيانات النشرة السنوية للنشاط التعاوني بالقطاع الزراعي عن عام 2010-2011، والتي أصدرها الجهاز المركزي للمحاسبات في 19 سبتمبر 2012.


وأشارت النشرة كذلك إلى أن إجمالي القروض الاستثمارية الممنوحة للمزارعين والمشروعات الزراعية بلغ 8,6 مليار جنيه مقابل 6 مليار جنيه في العام السابق بزيادة قدرها 43,3%، وترجع هذه الزيادة إلى القرارات السيادية للدولة في إعادة التخطيط للتقسيطات والتيسيرات الخاصة بالمزارعين.


وتعود مشكلة التعاونيات في مصر إلى أن أغلبها نشأ بإرادة فوقية ومبادرات حكومية، وليس كما يفترض به الحال أن تكون بمبادرات من المنتجين أنفسهم، وبالتالي ظلت التعاونيات مرتبطة بل ومعتمدة على الدولة، كما تعاني من تشريعات عتيقة تحد من قدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة منها. يأتي هذا مع اتباع الدولة لسياسات التحرر الاقتصادي التي فرضتها المؤسسات الدولية، ومن أهمها رفع الدعم عن الأعلاف والأسمدة، وتحرير سعر صرف الدولار، وزيادة الفائدة علي القروض، في الوقت الذي مازالت فيه الدول الكبرى تقدم دعما لصغار المنتجين لديها.


جاء أيضا تشجيع الدولة للقطاع الخاص، وتوجهها نحو الخصخصة على حساب التعاونيات، ولا يمكن إغفال أن تطبيق قانون الأرض 96 لسنة 92 أدى لحرمان أكثر من 450 ألف فلاح من عضوية الجمعيات الزراعية، بعد إلغاء بطاقات حيازاتهم الزراعية كمستأجرين وتحويلهم إلى عمال زراعيين، أما باقي التعاونيات فقد أصبحت حبرا على الورق، خاصة بعد استيلاء الدولة على أموالها وتحويلها لبنك التنمية والائتمان الزراعى الذي بدلا من أن يساعد المزارعين، أصبح عبئا عليهم بعد سقوط أغلبهم في مديونيات نتيجة تراكم فوائد القروض عليهم.


وحتى الآن لم تدرك الدولة أهمية التعاونيات ولم تعمل على استعادة دورها الذي نشط إلى حد ما خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، من هنا فإن على الدولة أن تضع الإطار التشرعي اللازم لتحقيق الاستقلال والفاعلية للتعاونيات، ومدها بالدعم المادي المباشر وتوفير مصادر للإقراض، وتشجيع مؤسسات التمويل والإقراض المتناهي الصغر على إقراض المنتجين مقابل رسوم إدارية دون فوائد تزيد من مديونياتهم، وإعادة الإعفاءات والمزايا التي كانت تحصل عليها التعاونيات سابقا، مع تثقيف المجتمع بأهمية الحركة التعاونية.


وفي الندوة القومية حول دور التعاونيات في الحد من عمالة الأطفال والتي عقدت بالقاهرة في الفترة 8- 10 سبتمبر 2012، برعاية منظمة العمل العربية والاتحاد التعاوني العربي، كان من أهم التوصيات الختامية العمل على تعزيز التعاون بين الشركاء الاجتماعيين من أجل القضاء على عمل الأطفال، وإصلاح السياسات واتخاذ إجراءات على مستوى القطاع والمنشأة، والدعوة لحوار اجتماعي حول الموضوع. 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق