أمل خيري
ذكر
تقرير نشره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية أن "المقايضة
المغلوطة" بين الحقوق الاقتصادية والسياسية كانت سببا في اندلاع احتجاجات الربيع
العربي، ودعا إلى سير الإصلاحات الاقتصادية جنبا إلى جنب مع الإصلاحات السياسية.
صدر
التقرير بعد أكثر من عامين على بدء اندلاع انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت
برؤساء تونس ومصر وليبيا واليمن، على حين استمرت الانتفاضة السورية دون أن تفلح في
خلع الديكتاتور. وأكد التقرير الذي جاء بعنوان "نظرة جديدة إلى النمو
الاقتصادي: نحو مجتمعات عربية منتجة وشاملة" أن الأسباب الكامنة وراء الربيع
العربي تتضمن انحراف نموذج التنمية، وتفكك العقد الاجتماعي اللذين قام بموجبهما
المواطنون العرب بمقايضة الحريات السياسية مقابل الحصول على الوظائف، والاعانات
المتنوعة، وتدني الضرائب والحصول على مساعدات من الدولة.
وأضاف
التقرير أن التسعينيات شهدت حزمة من الإصلاحات المراعية للسوق في الدول العربية
بغرض معالجة الركود، إلا أنها أدت إلى زيادة الأعباء المالية وتباطؤ نمو الإنتاجية
وتراجع التنافسية، يأتي هذا في الوقت الذي أخفق فيه القطاع الخاص في إنتاج الأرباح
الكافية التي تعود بالفائدة على الاقتصاد، ومع غياب السياسا
ت
التجارية والمالية السليمة بقى القطاع الخاص مقيدا إلى حد كبير.
كما
تسبب عدم كفاءة الإنفاق الحكومي في دعم الاقتصاد المحلي بشكل غير مناسب خاصة للقطاعات
ذات القيمة المضافة كالصناعة، في حين تركز الاهتمام في الاقتصاد غير المنظم، وفي القطاعات
ذات الإنتاجية المنخفضة كقطاع الخدمات الذي ارتفعت حصته من التوظيف بنسبة 10% خلال
السنوات العشرين الماضية، فيما انخفضت حصة قطاع الزراعة بمعدل 20%، لكنه ما زال
يوظف 30%من العمال في شمال إفريقيا و22% في الشرق الأوسط.
وسجلت
المنطقة العربية أدنى المعدلات من حيث النمو في دخل الفرد الواحد ومن حيث التعبير
والمساءلة. واتسمت وتيرة التنويع الاقتصادي
والتحول الهيكلي في المنطقة العربية بالبطء، ولم يتم إيلاء الاهتمام الكافي للربط
بين إدارة المياه والتنمية الريفية، وانعدام الأمن الغذائي، مما أثر سلبا على فرص
العمل في القطاعين المنظم وغير المنظم.
ونوه
التقرير إلى أن المنطقة تسجل أعلى معدل بطالة لدى الشباب على الصعيد العالمي؛ حيث
يبلغ 23,2%، بالمقارنة مع المعدل العالمي البالغ 13,9%. كما تسجل المنطقة العربية أعلى معدلات للهجرة
لدى المتعلمين أصحاب المهارات، لافتا إلى أن المشكلة لا تعود لنقص في المهارات بل
في عدم وجود طلب في سوق العمل على المهارات، في حين لا يهتم أصحاب الأعمال بإتاحة
فرص لتدريب العمال بل ينصب اهتمامهم على قضايا التمويل والفساد والضرائب.
وتوقع
التقرير أن تسجل المنطقة العربية أدنى معدلات للنمو الاقتصادي حتى عام 2015 بالمقارنة
مع جميع مناطق العالم بعد أمريكا اللاتينية، لتبلغ 3,8% في شمال إفريقيا، و4,5% في
الشرق الأوسط، ومع استمرار النمو السكاني في هذه المنطقة فإن معدلات النمو هذه لن
تحدث إلا أثرا محدودا على الدخل الحقيقي للفرد.
ويوصي
التقرير بضرورة أن تتماشى الإصلاحات الاقتصادية مع السياسية، وأن يتسم النمو
الاقتصادي بالتوازن، مع تحقيق اتساق في السياسات يفضي إلى نتائج أفضل من حيث
إجمالي المكاسب الإنتاجية والزيادة في معدل الأجور.
كما
يوصي التقرير بإجراء حوار اجتماعي يساهم في الارتقاء بحرية المواطنين ومساءلة
الحكومات، وتأمين حماية اجتماعية تضمن أمن الدخل من خلال توزيع المخاطر على مختلف
الشرائح السكانية، وتعزيز التنمية البشرية التي لم تكن بالضرورة ممكنة في إطار
آليات التأمين الخاصة.
كما دعا الحكومات العربية إلى تعزيز إدارة الهجرة، وتحسين
الوصول إلى مستويات التعليم ذات النوعية العالية وتعزيز التدريب بقيادة الطلب
تماشيا مع حاجات سوق العمل، وشدد على أن النمو
الاقتصادي يستلزم الانتقال من "الدولة الريعية" إلى "الدولة
الإنتاجية" على أساس ضمان تكافؤ الفرص والمساواة بين جميع المواطنين وأصحاب
العمل والعمال على حد سواء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق