الثلاثاء، 22 يناير 2013

في الذكرى الثانية لانطلاق الثورة المصرية..الاقتصاد المصري لا يزال يراوح مكانه



في الذكرى الثانية لانطلاق الثورة المصرية

الاقتصاد المصري لا يزال يراوح مكانه


كتبت: أمل خيري
جريدة الشعب
عدد (27)
22 يناير 2013
 
يخطئ البعض حين يظن أن الثورة تبدأ وتنتهي وتؤتي ثمارها في عشية وضحاها، حتى إن بعض المصريين حين يتحدث عن الثورة المصرية يقول: لقد قمنا بثورة على مدى ثمانية عشر يوما، ويحسب أن الثورة بدأت يوم 25 يناير وانتهت 11 فبراير!.
والحقيقة أن الثورة عملية مستمرة حتى تحدث آثارا قوية تعيد تنظيم المجتمع وفق أسس جديدة، ومن ثم فإننا حين ندرس علم الثورات نجد أن بعض الثورات قد يستمر عشر سنوات كالثورة الفرنسية، بل إن الراحل الدكتور فاروق يوسف أستاذ علم الاجتماع السياسي ذكر أن ثورة يوليو 1952 المصرية امتدت من (1952 إلى 1984)، مؤكدا أنها لم تبدأ في تحقيق كامل ثمارها إلا في السنوات الثلاث الأولى من عهد مبارك.

وتمر أي ثورة بمراحل، البعض اعتبرها ثلاث، والبعض اعتبرها خمس مراحل، وقد تستمر كل مرحلة عدة أشهر أو عدة سنوات حسب مدى تغلغل الاستبداد والفساد في ظل النظام الذي قامت الثورة ضده. وبالطبع لا يمكن للثورة أن تحقق كل أهدافها بمجرد قيامها، ومع ذلك يمكن القول أن للثورة جوانب سياسية وأخرى اجتماعية واقتصادية، ولعل الثمار السياسية تكون أسرع النتائج تحقيقا، نظرا لأن التغيير الاقتصادي والاجتماعي له طابع طويل الأمد.

وحتى الآن لم نشهد من الثورة المصرية سوى جانبها السياسي الذي وصل إلى حد السفه، بافتعال معارك جانبية سياسية، ومهاترات إعلامية، ناهيك عن انهاك جهود التغيير بمخططات الثورة المضادة، أما الجانب الاجتماعي والاقتصادي فلم يشهدا أي تغيرات ملموسة يشعر بها المواطن العادي أو المواطن الفقير الذي قامت من أجله الثورة.

وقد يظن البعض أن ما نشهده حاليا من تخبط في الوضع الاقتصادي أسوأ من الحال قبل الثورة، حتى يتحسر البعض على الاستقرار الذي عاشته مصر في ظل حكم المخلوع، مرددين أننا لم نجني من الثورة سوى الفوضى والخراب وانهيار الاقتصاد.
والحقيقة أن ما شهده الاقتصاد المصري في حكم مبارك لا يمكن تصنيفه أبدا على أنه نوع من الاستقرار، بل ما كان إلا قنبلة موقوتة انفجرت بمجرد خروج رأس النظام من المشهد السياسي، مع الإبقاء على جسد النظام نفسه الذي يعاني من التخبط والفساد، ليترك لنا ميراثا من الظلم الاجتماعي والتفاوت الاقتصادي والبطالة والفقر والمرض وتفاقم الديون وتهالك البنية التحتية، مما لا يمكن معالجته أو اقتلاع جذوره بسهولة.

 فماذا تحقق اقتصاديا بعد مرور عامين على اندلاع الثورة المصرية التي يعلم الله وحده متى تنتهي؟

لتحليل الآثار الاقتصادية التي نتجت عن قيام الثورة ينبغي مقارنة الوضع الاقتصادي الحالي بما قبل الثورة بلغة الأرقام التي قد لا تعبر عن الواقع الفعلي، ولكنها تقدم بعض المؤشرات التي يمكن أن تلقي الضوء على مدى ما تحقق على المستوى الاقتصادي.

أولا: تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة:

زاد العجز الكلي للموازنة العامة للدولة ليصل إلى 166,7 مليار جنيها أي ما يعادل 10,8 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2011/ 2012، مقابل 134,5 مليار جنيها خلال العام المالي السابق له، ومن المرشح أن يتخطى العجز حاجز 200 مليار جنيها بنهاية العام المالي الحالي، وذلك لارتفاع المصروفات بنسبة فاقت الزيادة في الإيرادات العامة.

ثانيا: تذبذب الناتج المحلي والإيرادات العامة للدولة:

بلغ الناتج المحلي الإجمالي 1,15 تريليون جنيها في العام المالي 2009/2010، وبلغ 1,3 تريليون جنيها في العام التالي، وأخيرا ارتفع إلى 1,4 تريليون جنيها عام 2011/2012، بنسبة 1,8% عن عام 2010/2011.
كما بلغ معدل النمو الاقتصادي 2,2 % في السنة المالية 2011-2012، بانخفاض حاد عن عام 2010 والذي بلغ 5,1%. وارتفعت إيرادات الدولة ما بين عامي 2010 و2011 بنحو 14,5%، لتصل إلى 303,6 مليار جنيها، نتيجة زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 8%، فضلا عن نمو الإيرادات غير الضريبية بنسبة 31,4 %. وبالنسبة لمعدل التضخم، فقد انخفض من 11,70% عام 2010، ليصل إلى 11,10% عام 2011.
وحققت قناة السويس عائدات بلغت نحو 5 مليار و128 مليون دولار خلال عام 2012، بانخفاض طفيف عن عام 2011، إلا أنه بمقارنة العائد بما حققته القناة عام 2010 والذي وصل إلى 4 مليار  و773 مليوناً، فإن عائدات قناة السويس بشكل عام بعد الثورة ارتفعت عما قبلها.
وانخفض عدد السياح من 14,7 مليون سائح عام 2010، إلى 9,8 مليون عام 2011، ليعود إلى الارتفاع بنهاية 2012 ليصل إلى 10,5 مليون سائح، ليحقق قطاع السياحة 9,37 مليار دولار خلال عام واحد.

ثالثا: تواصل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة:

ارتفع معدل البطالة من 8,9% عام 2010، إلى 11,9% عام 2011، ليصل إلى 12,5% من قوة العمل في الربع الثالث لعام 2012.
وما زالت نسبة الفقر في ازدياد؛ حيث تصل نسبة الفقراء إلى 25,2% عام 2010/2011، وبلغت قيمة خط الفقر القومي للفرد في السنة 3076 جنيها سنويا بما يعادل 256 جنيها شهريا.

رابعا: ارتفاع الدين العام المتراكم منذ النظام السابق:

بلغ إجمالي الدين المحلي 808,4 مليار جنيها عام 2010، و967,2 مليار جنيها عام 2011، ثم زاد زيادة مخيفة عام 2012 ليصل إلى 1,250 تريليون جنيها، يبلغ متوسط نصيب الفرد منها 14 ألف جنيها.
في حين بلغ إجمالي الدين الخارجي 33,6 مليار دولار عام 2010، ليرتفع إلى 34,9 مليار دولار في 2011، ثم عاد للانخفاض في 2012 ليصل إلى 33,4 مليار دولار، إضافة إلى أعباء خدمة الدين التي تصل إلى 2,6 مليار دولار، وبلغ متوسط نصيب الفرد من الدين الخارجي عام 2011 نحو 413 دولار، و390 دولار عام 2012.
وعلى الرغم من أن نسبة الدين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي لا تتعدى 15,2%، إلا إننا إذا أضفنا الدين المحلي إليه، فإن نسبة الدين للناتج المحلى ستصل إلى 81%، وهى نسبة كبيرة تجاوزت حدود الأمان المتعارف عليها (60% وفقا لمعاهدة ماستريخت).

خامسا: تفاقم عجز الميزان التجاري:

على مستوى التجارة الخارجية، ارتفعت قيمة الصادرات من 110,15 مليون جنيها عام 2010، إلى 131,2 مليون جنيها عام 2011، ثم 132,04 مليون جنيها عام 2012، أما الواردات فقد ارتفعت من 299,5 مليون جنيها عام 2010، إلى 339,4 عام 2011، ثم 353,5 عام 2012، وبذلك تكون الفجوة بين الصادرات والواردات 221,36 مليون جنيها عام 2012، ارتفاعا عن 208,2 عام 2011.

سادسا: انخفاض موارد النقد الأجنبي:

أما الإحتياطي من النقد الأجنبي والذي يقوم بضمان استقرار سعر النقد الأجنبى بالسوق ومن ثم العملة الوطنية، فقد انخفض من 36,1 مليار دولار في 2010، إلى 15 مليار دولار بنهاية 2012، نتيجة للحاجة الى تغطية الاحتياجات الغذائية التى تدهورت مواردها محليا نتيجة للتوقف النسبى فى عجلات الانتاج.
كما انخفض حجم الاستثمارات الواردة من 6,386 مليون دولار عام 2010 إلي -483 مليون دولار عام 2011 نتيجة الاضطرابات السياسية، وانخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار نتيجة تدني الحصيلة من العملات الأجنبية.
ربما تكون الأرقام مفزعة بعض الشيء وتدعو للتشاؤم، إلا أنه بالنظر إلى ما مرت به مصر منذ الثورة من أحداث وتخبط في الإدارة وطول الفترة الانتقالية وميراث متراكم من الفساد والديون، واستمرار الاعتصامات وتوقف الإنتاج في كثير من القطاعات، يمكن القول أن الوضع ليس بهذه الدرجة من الخطورة، بل على العكس لو قارننا الوضع المصري بدول أخرى تشابهت في نفس ظروفها السياسية والاقتصادية وطالت لديها أيضا فترة الاضطراب نجد الوضع في مصر أفضل بكثير، وأن المبشرات تتزايد بمجرد استقرار الأوضاع السياسية واستكمال بناء مؤسسات الدولة، والمضي قدما في إنشاء مشروعات تنموية قومية تخرج مصر من الدائرة المفرغة التي تعيش فيها على مدى عامين.

على سبيل المثال، لو قارننا بين الاقتصاد المصري حاليا والاقتصاد التركي حين تولى أردوغان السلطة عام 2002، لوجدنا تشابها في بعض المؤشرات (كعجز الموازنة وعجز الميزان التجاري وعائدات السياحة)، وأيضا يمكن رصد مؤشرات أخرى كانت تركيا في وضع أسوأ من مصر (كمعدل النمو السنوي وقيمة العملة الوطنية التي كانت منهارة تماما وقيمة الناتج المحلي الإجمالي ومعدل التضخم)، ومع ذلك تجاوزت هذه الأزمة لتصبح في خلال عشر سنوات في المرتبة السادسة عشر بين الاقتصادات العالمية.

ويرصد الجدول التالي أبرز المؤشرات المقارنة بين الوضع الحالي لمصر وتركيا قبل وبعد النهوض:

بنود المقارنة
مصر 2012
تركيا 2002
تركيا 2012
عدد السكان
83,7 مليون نسمة
70,3 مليون نسمة
79 مليون نسمة
الناتج المحلي الإجمالي
1,4 تريليون جنيها
231 مليار دولار
772 مليار دولار
معدل النمو السنوي
2,2 %
-9,4%
8,5%
متوسط دخل الفرد
2,748 دولار
3,500 دولار
10,444 دولار
نسبة البطالة
12,5%
11,3%
8%
عجز الموازنة
10,8 %
10%
3%
قيمة العملة الوطنية
الدولار= 6,5 جنيه
الدولار= 1,5 مليون ليرة
الدولار= 1,7 ليرة
معدل التضخم
11,10%
70,8%
3,99%
الاستثمار الأجنبي المباشر
2 مليار دولار
مليار دولار
16 مليار دولار
احتياطي النقد الأجنبي
15 مليار دولار
27 مليار دولار
92 مليار دولار
الديون لصندوق النقد الدولي
10 مليار دولار (شاملة ديون مصر لدى مؤسسات دولية وإقليمية أخرى)
23,5 مليار دولار
1,7 مليار (ستسدد كاملة خلال 2013)
نسبة الدين العام من الناتج القومي
81%
74%
4,39%
الصادرات
26 مليار دولار
36 مليار دولار
114 مليار دولار
الواردات
58 مليار دولار
52 مليار دولار
186 مايار دولار
عجز الميزان التجاري
32 مليار دولار
16 مليار دولار
72 مليار دولار (مازال يواصل الارتفاع)
عدد السياح
10,5 مليون سائح
13 مليون سائح
28,5 مليون سائح
عائدات السياحة
9,37 مليار دولار
10 مليار دولار
25,4 مليار دولار
ترتيب الدولة في الاقتصادات العالمية
42 (عام 2011)
27
16

لا نعني بذلك أن مصر لابد أن تكون نسخة مكررة من تركيا، فرغم وجود بعض التشابه في الظروف بين الدولتين، إلا أن سياق كل منهما مختلف عن الآخر وكذلك الموارد والمقدرات والإمكانات، ومع ذلك تبقى التجربة التركية شاهدة على إمكانية تجاوز الأزمات.

الأمر نفسه نلحظه في دول أخرى تعرضت لأزمات مشابهة؛ فقد تعرضت ماليزيا (1985-1988) لأزمة طاحنة للقطاع المصرفي ترتب عليها انهيار 4 بنوك كبرى نتيجة انهيار الأسعار العالمية، فتزايدت حالات الإفلاس وتعرضت البلاد للركود.
كما تعرضت تايلاند (1983-1987) لنكسة اقتصادية قوية، بسبب صدمة أسعار البترول التي شهدتها البلاد عام 1980، فانهارت قيمة الأصول بنحو 80% عن قيمتها قبل عامين من الأزمة، كما عجزت ثلاثة بنوك تجارية -تستحوذ على 14% من إجمالي ودائع الدولة- عن الوفاء بالتزاماتها. وقد استطاعت كل منهما الخروج من الأزمة بأقوى مما سبق.

أما الأرجنتين فقد شهدت في الفترة (1980-1982) أزمة طاحنة دفعت بأكثر من 70 مؤسسة مصرفية لتصفية أعمالها التي توازي 50% من إجمالي الودائع، ثم تعرضت لأزمة أخرى عام 2001، انهار خلالها نظام سعر الصرف المثبت، نتيجة تفاقم عجز الموازنة وهروب رؤس الأموال وازدياد الديون الخارجية بمعدلات فائدة مرتفعة، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، وتزايد معدلات البطالة.

ومع ذلك استطاعت الأرجنتين الخروج من الأزمة التي استمرت حتى عام 2003 لحين تولي "نستور كريشنر" رئاسة البلاد، والذي توسع في سياسات الرفاه من جهة، وتبنى سياسات حمائية لمنتجات بلاده من جهة أخرى، وقام باتباع أجندة مخالفة لنصائح صندوق النقد الدولي وقتها، فاستطاع في الفترة (2003 – 2007) تخفيض معدلات البطالة والفقر إلى النصف، فتراجعت البطالة من 20% إلى 9%، والفقر من 50% إلى 27%، وارتفعت مستويات الأجور الحقيقية بنسبة 70%.

مما سبق نستنتج أن مصر ليست الدولة الأولى التي تتعرض لأزمة اقتصادية، وأن الخروج من الأزمة ممكنا، وإن كان يتطلب حلولا جذرية، وأن ما آل إليه الحال بعد عامين من انطلاق الثورة كان أمرا متوقعا، وليس مفاجئا كما يعتقد البعض، صحيح أن الاقتصاد مازال يراوح مكانه، وأننا ما زلنا في انتظار ثورة اقتصادية في الفكر والرؤى والسياسات، ولا مانع من استلهام تجارب دول أخرى استطاعت الخروج من أزماتها الاقتصادية، وهو ما سنعرض له لاحقا في الأعداد القادمة إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق