الثلاثاء، 1 يناير 2013

شائعات إفلاس مصر آخر حيل المفلسين

كل المؤشرات الاقتصادية تنفي "الإفلاس" وتؤكد قدرة مصر على النهوض


جريدة الشعب
عدد 24- الثلاثاء 1 يناير 2013
كتبت: أمل خيري
صورة نشرها مشبوهون على الانترنت لادعاء أن الجنيه الورقي ممنوع من التداول
شهدت الأيام القليلة الماضية تدفقا من الشائعات والأخبار المكذوبة التي تتنبأ بانهيار اقتصادي وشيك لمصر، واقترابها من حافة الإفلاس، أكثرها تفاؤلا وضع 6 أشهر حدا لإعلان هذا الإفلاس، وبعضها أفرط في تشاؤمه ليجعل الموعد النهائي لهذا الإعلان منتصف يناير الجاري بحسب تصريح منسوب لفاروق العقدة محافظ البنك المركزي.
ولا يمكن فهم حقيقة هذه الشائعات إلا في ضوء قراءة الوضع السياسي العام الذي أطلقت فيه هذه الشائعات، وفي ضوء حقيقة استنفاد جبهة الإنقاذ جميع أوراقها للإطاحة بالشرعية السياسية، وخسارتها رهانها الأخير على منع تمرير الاستفتاء على الدستور. وبعد حملات قادها زعماء الجبهة لتخويف المستثمرين الأجانب وتعويق إجراءات الإعفاءات من الديون وتجميد المساعدات، كشف أعضاء الجبهة عن آخر أوراق اللعبة القذرة عبر إطلاق مجموعة من الشائعات حول اقتراب إعلان مصر إفلاسها وانهيارها الاقتصادي التام.
من بين هذه الشائعات، ما تم تداوله على بعض صفحات الفيس بوك من منع الجنيه الورقي من التداول مصحوبا بعبارة "ممنوع من التداول بسبب الجهل"، ما أثار فزعا لدى كثير من المواطنين الذين انصرفوا عن التعامل به، وحرصوا على استخدام الجنيه المعدني بدلا منه، وقد تبين بالقطع أن هذه الشائعة لا أساس لها من الصحة، واتضح أن بعض المضاربين في البورصة هم من أطلقوها بغرض الضغط على سعر الجنيه لرفع أسعار العملات الأخرى، كما يقومون أيضا باحتجاز الدولار الأمريكى لرفع سعره فيما بعد، ليبخسوا بسعر الجنيه المصرى.
أما الشائعة الثانية فدارت حول تزايد حالات السحب من الودائع، وتحويل الجنيه إلى دولار، وجاء ذلك على خلفية ما تردد حول نية الحكومة الإستيلاء على 65% من الودائع بالبنوك، وما أشيع عن استقالة محافظ البنك المركزي، فتزايدت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، مع تبادل رسائل "SMS" كلها تحث على ضرورة  قيام العملاء بسحب أموالهم من البنوك، مع ترديد شائعات بازدحام البنوك وعجز المواطنين عن سحب مدخراتهم تحت زعم أن مصر مقبلة على الإفلاس، وإزاء ذلك فقد أصدر البنك المركزي بيانا نفى فيه نفيا قاطعا ما تردد خلال الأيام الماضية من تداول شائعات فيما يخص سلامة واستقرار القطاع المصرفي وأموال المودعين لدى البنوك العاملة في مصر، مؤكدا على التزام البنك بضمان جميع الودائع بالعملة المحلية والعملات الأجنبية لدى جميع البنوك العاملة، والتي تزيد على التريليون جنيه، ما يعادل 165 مليار دولار موزعة على 39 بنكا.
كما انتشرت شائعة بإيقاف سلسلة شركات (Westren Union) ويسترن يونيون التحويلات والمعاملات المادية مع مصر، وهو ما نفته الشركة نفيا قاطعا مؤكدة أن ما أشيع عن توقفها عار تمام من الصحة. وتكهن البعض من تراجع تصنيف مصر من قبل مؤسسات الائتمان الدولية باقتراب إفلاس مصر على الرغم من أن تراجع تصنيف الدولة الائتماني لا يدل إلا على انخفاض الجدارة التأمينية ولا يعني الإفلاس، إضافة إلى أن إثارة الشائعات نفسها أحد العوامل التي تؤثر في التصنيف الائتماني؛ حيث تنظر مؤسسات التصنيف العالمي، إلى الوضع السياسي ضمن مؤشرات دراسة الأوضاع الاقتصادية، علاوة على أن خفض التصنيف الائتماني لمصر الحالي، ليس السابقة الأولى؛ فقد تم هذا التخفيض 6 مرات بعد الثورة، بحجة الاضطرابات السياسية، وهو ما يبعث على الطمأنينة إذ إن تحقيق الاستقرار كفيل بتحسن الوضع الائتماني.
وتكمن خطورة الشائعات أيضا في التسبب في مزيد من حالة الركود داخل الاسواق، كما تؤدي إلى هروب رؤس الأموال سواء في الداخل أو الخارج، ولعلنا نتذكر سابقة خطيرة أوائل التسعينيات حين ظهرت إشاعة تعرض بنك الاعتماد والتجارة  لحالات تزوير واختلاس من العاملين فيه، فسارع جميع المودعين علي مستوي العالم بسحب أرصدتهم من البنك، ما عرض البنك للافلاس علي مستوي العالم، وتسبب ذلك بالتبعية في مشاكل مالية في فروع البنك بمصر، لولا مسارعة القائمين علي الجهاز المصرفي المصري وقتها بضم وإدماج بنك الاعتماد والتجارة إلي بنك مصر، مع توفير البنك المركزي المصري مبلغ مليار جنيه مصري قرضا مساندا لبنك مصر لمدة 10  سنوات بدون فائدة، وذلك لمواجهة الأعباء نتاج إفلاس بنك الاعتماد والتجارة.
لم تنتهي الشائعات عند هذا الحد، بل تزايدت الإدعاءات عن اقتراب إعلان مصر إفلاسها، وتنبأ البعض بمجاعة وثورة جياع كأحد نتائج تصويت المصريين بالموافقة على الدستور!، وهناك كثير من التصريحات أيضا ساهمت في إطلاق الشائعات وتأكيدها، فممدوح حمزة يقول في تدوينة له على موقع تويتر: "حيث إن أفلست مصر فلن يجدي العمل السياسي والثوري وأذكر الجميع بالأرجنتين عام 2002 حيث تم تغيير 3 رؤساء جمهورية في 4 أشهر والهجوم على البنوك وتحطيمها"، ما يعد نوعا من التحريض الضمني على هذه الأفعال الهمجية.
كما قال البرادعي في شريط فيديو وصلت نسخة منه إلى وكالة فرانس برس "البلد على وشك الافلاس ... إذا أكملنا ثلاثة أشهر فلن نكمل أربعة أشهر، وصندوق النقد الدولي قال إنه سيؤجل القرض ونصف العالم يقول لا يمكننا أن نعطيكم تمويلا لأنه لا يوجد أمن ولا رؤية ولا وضوح ولا استقرار"، وهو نفس ما سبق أن حذر منه في أكتوبر 2011، حيث أكد تعرض مصر للإفلاس بعد 6 أشهر من ذلك التاريخ، وهو ما لم يحدث. وأشار أحمد المسلماني (كاتب خطاب المخلوع الأخير) إلى أنه من الوارد أن تعلن حكومة الدكتور هشام قنديل والرئيس محمد مرسي على المدى القريب إفلاس مصر في أقل من 6 أشهر .
وشارك الإسرائيليون أيضا في التصريحات المفرطة في التشاؤم؛ فقد قال البروفسور عوزي رابي مدير مركز ديان لدراسات الشرق الأوسط بتل أبيب إنه لا يستبعد خروج الشعب المصري من جديد إلى الشارع والثورة ضد الرئيس محمد مرسي فى ظل التدهور الاقتصادي وعدم وجود أي بشرى اقتصادية لاجتياز هذا المنزلق الذى يتعرض له الاقتصاد المصرى .واعتبر رابي أن العامل الاقتصادي سيكون المقياس الحقيقي لمدى نجاح الثورة المصرية، وشاركه الرأي بعض المحللين الغربيين في صحف دولية.
هل مصر على شفا الإفلاس؟
ينبغي في البداية تحديد المقصود بإفلاس الدولة، أو ما يطلق عليه الإفلاس السيادي، والذي يعني عجز الدولة عن سداد التزاماتها وديونها الخارجية مع خلو بنوكها من الأرصدة والاحتياطات النقدية، وهناك ثلاثة أسباب رئيسة لإفلاس الدولة، الأول: عدم قدرة الدولة على الوفاء بديونها أو فوائد هذه الديون بسبب عجز الموازنة أو عقب الثورات أو تفاقم الديون الخارجية، والثاني: بسبب الإطاحة بحكومات فاسدة كما حدث في أعقاب الثورة الفرنسية، أما السبب الثالث: فيعود إلى انهيار الدولة نفسها إثر حروب أو انقسام أو احتلال.
وبمقارنة هذه الأسباب بوضع مصر الحالي، فإن مصر حتى الآن مازالت قادرة على الوفاء بالتزامتها الخارجية؛ فالبنوك تمتلك 15 مليار دولار احتياطيات نقدية بخلاف المركزي، كما زادت ودائع البنوك من931 مليار جنيها فى2010 إلى تريلليون و131 مليار جنيها في 2012، بزيادة 200 مليار فى 24 شهر، كما تبلغ السيولة المحلية خارج البنوك وفى البورصة 3 تريلليون جنيها، إضافة إلى 8 تريلليون جنيها قيمة السيولة لدى المصريين العاملين بالخارج، وتقدر الثروات القابلة للتوظيف سواء المعدنية أو الزراعية أو العقارية بنحو 9 تريلليون دولار، وما زالت الديون الخارجية لا تمثل سوى 15% من إجمالي الديون، و12% من الناتج القومي الإجمالي حيث تبلغ 3ر34 مليار دولار فقط، وتبلغ قيمة السيولة المحلية 1115,3 مليار جنيها.
وهناك العديد من المؤشرات الإيجابية التى شهدها الربع الأول من العام المالي الحالي، من بينها ارتفاع معدلات النمو إلى 2,6% مقارنة بـ 0,3% خلال نفس الفترة من العام الماضى، وبلوغ العجز فى ميزان المدفوعات نصف مليار جنيه، مقارنة بـ 2,2 مليار جنيه خلال نفس الفترة عام 2011. كما ارتفعت عائدات السياحة حتى نهاية نوفمبر بنسبة 17% عن العام الماضي لتصل إلى 9,37 مليار دولار. كما ارتفعت إيرادات قناة السويس والتي بلغت نحو 4,506 مليار دولار خلال الفترة من أول يناير حتى نهاية أكتوبر من العام الجاري، بزيادة 492 مليون دولار، وبمعدل نمو 12,2%، عن نفس الفترة من العام الماضي والتي بلغت عائداتها 4,014 مليار دولار.
ومن المؤشرات الإيجابية كذلك ما ذكره المهندس حاتم صالح وزير الصناعة والتجارة الخارجية عن قيام 15 شركة إيطالية بدراسة جدية لنقل مصانعها من إيطاليا إلى مصر خلال المرحلة المقبلة، نظرا لما تتمتع به مصر من ميزات تنافسية كبيرة تؤهلها لجذب هذه الاستثمارات، وما أعلنه من تشكيل مجموعة عمل من ممثلي الوزارة والقطاع الخاص لوضع خطة تحرك لتقديم حوافز لهذه الشركات وغيرها في إسبانيا واليونان لاستقبال مصانعها. كما قررت شركة "الخرافي" الكويتية ضخ 326 مليون دولار استثمارات جديدة بمصر في إطار خطة التوسع في أنشطتها النفطية والزراعية والسياحية والعقارية بمصر.
كما صرح الفقيه التشريعي الدكتور حسين حامد حسان أن هناك 200 مليار دولار يمكن أن تتدفق على مصر من جانب بنوك عالمية إسلامية وغير إسلامية حال إصدار وتفعيل قانون الصكوك الإسلامية، والتي أبدت بالفعل استعدادها لشراء مثل هذه الصكوك لو صدرت، شريطة أن تكون مرتبطة بمشروعات تنموية ذات جدوى اقتصادية، ونفى حسان ما يشاع عن انهيار الاقتصاد المصري مؤكدا على صلابته رغم تآكل احتياطى البلاد وارتفاع عجز الموازنة؛ حيث مرت مصر بظروف أصعب في فترات سابقة عقب نكسة 1967، وحرب أكتوبر 1973، ولم تعلن إفلاسها مطلقا.
يذكر أن الدكتور حسان قد شارك بنفسه في إصدار صكوك بأكثر من 100 مليار دولار في عدة دول، كما أنه يرأس منظومة بنكية واسعة تضم 27 بنكا إسلاميا ودوليا، تقدمت بالفعل بطلبات شراء صكوك إسلامية تقدر بمائتى مليار دولار ستتيح تمويل مشروعات ذات جدوى اقتصادية هائلة فى البلاد فى كل المجالات، وأن الأمر كله يتوقف على  موافقة الحكومة والبرلمان على تشريع الصكوك الإسلامية، وهو ما سيعمل عليه عبر عضويته بمجلس الشورى.
وكشف تقرير أصدرته شركة "ديلويت" البريطانية في بيروت أن مصر ضمن لائحة الدول الأربعين الأفضل عالميًا في التنافس على الصناعة لعام 2013 .كما أكد كثير من الخبراء على امتلاك الاقتصاد المصري كثير من المقومات التي تؤهله للنهوض إلا أنها تحتاج مزيد من تدفق الاستثمارات وزيادة الإنتاج، وأنه لو كانت مصر مرشحة للإفلاس لكان أولى بها أن تتعرض لذلك عقب الثورة بثلاثة أشهر مباشرة؛ حيث توقفت أغلب المؤسسات الإنتاجية عن العمل، ورغم ذلك تجاوزت هذه الأزمة، والوضع الآن أفضل بكثير عن هذه الفترة.
وبعيدا عن الحديث عن الإفلاس، فإن الاقتصاد المصري يواجه تحديات حقيقية وعجزا هائلا في الموازنة العامة ما لم نسارع باستكمال بناء المؤسسات ودفع عملية الإنتاج وتشغيل المصانع وتوقف الاعتصامات والإضرابات، وإعلاء شأن الوطن على الخلافات السياسية الضيقة، والتوقف عن بث الشائعات المضرة بالاقتصاد الوطني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق