الثلاثاء، 5 مارس 2013

لماذا يجب على مصر رفض قرض الصندوق؟



مع تأكيد الحكومة على المضي في إجراءات توقيع قرض الصندوق
لماذا يجب على مصر رفض قرض الصندوق؟

 


· تصل أعباء خدمة الدين إلى 2,6 مليار دولار

· أغلب القروض التي حصلت عليها مصر وجهت لخدمة ديون سابقة

· حصلت المكسيك على قرض من الصندوق فارتفع التضخم إلى 371 %!
كتبت: أمل خيري
جريدة الشعب
عدد33

أثارت النقاشات الحادة في جلسات مجلس الشورى حول قرضين سعوديين لمصر -أحدهما لتمويل مشروع إنشاء صوامع أفقية للغلال، والآخر لتمويل مشروع محطات الري والصرف- المخاوف مرة أخرى من تزايد نهج الاعتماد على الاقتراض والاستدانة الخارجية، ومما زاد من هذه المخاوف تجدد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول قرض بقيمة 4,8 مليار دولار، وتأكيد الحكومة على انتهائها من الخطة المعدلة للإصلاح الاقتصادي لإرسالها إلى البرلمان ثم إلى صندوق النقد الدولي  لاستكمال المفاوضات، مع تصريح الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط والتعاون الدولى، إن بعثة صندوق النقد الدولى تلقت دعوة لزيارة مصر رسمياً لمواصلة التفاوض حول القرض.
وعلى الرغم من موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون الصكوك، وإحالته إلى مجلس الشورى لاتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة، وهو ما بدا انفراجة قد تغني عن الاقتراض الخارجي، إلا أن وزير الاستثمار أكد أن الصكوك ليست بديلا عن قرض الصندوق، مشيرا إلى أن الصكوك إحدى الأدوات المالية المستخدمة فى توفير تمويل طويل الاجل لمشروعات البنية التحتية، أما قرض الصندوق فيعد شهادة على قدرة الاقتصاد المصري على التعافي وجذب استثمارات خارجية، فيما وصفه وزير الصناعة بأنه بمثابة نقل الدم للاقتصاد المصرى، واعتبره وزير المالية رافعة للاقتصاد.
وفي حقيقة الأمر فإن نهج الاقتراض ما هو إلا تكريس للتبعية، وفي حين ترى الحكومة قرض الصندوق على أنه شهادة دولية على تعافي الاقتصاد المصري، يرى الكثير -ومنهم حزب العمل- أنه شهادة على سوء الأداء واستسهال للحلول السريعة التي تتحمل أعباءها الأجيال القادمة، بل ويعتبره البعض شهادة تسول وشحاتة أيا كانت الدولة أو الجهة المقرضة.
وكانت مصر في أعقاب الثورة قد توسعت في اللجوء للاقتراض الداخلي حيث وصل الدين المحلي إلى1,250 تريليون جنيها، يضاف إليها 33,4 مليار دولار دين خارجي، إضافة إلى أعباء خدمة الدين التي تصل إلى 2,6 مليار دولار، وهو الأمر الذي يدعو للقلق، فأغلب القروض التي حصلت عليها مصر داخليا او خارجيا لم توجه للاستثمار أو تمويل المشروعات أو في القطاعات الإنتاجية التي تسهم على المدى البعيد في تسديد هذه الديون، بل تم توجيه هذه الديون لخدمة ديون سابقة وتسديد فوائدها، مما أسهم في زيادة عجز الموازنة، فحتى نهاية السنة المالية المنتهية وصل إجمالي معدل الفائدة السنوي للدين الخارجي فقط إلى مليار دولار، يتوقع لها الزيادة في حالة الموافقة على القروض الجديدة، وكل هذه الزيادات ستكون على حساب قطاعات الصحة والتعليم والدعم الموجه للفقراء.
لماذا إذن يجب على مصر رفض قرض الصندوق؟
بعيدا عن ربوية هذه القروض فإن هناك أسباب اقتصادية توجب رفض نهج الاقتراض والاستدانة:
أولا: لأن صندوق النقد الدولي لا يخدم سوى البلدان الغنية ومصالح وول ستريت على حساب فقراء العالم؛ فالصندوق يدفع الدول المقترضة نحو تحرير النظم المالية، ويشجع المضاربات في البورصة التي تضر بالاقتصادات الوطنية، مقابل تدفق الاستثمارات الرأسمالية الأجنبية على الأسواق النامية، والتي تقدر بنحو 1,5 تريليون دولار يوميا، فقط من أجل إنقاذ البنوك والمؤسسات المالية في وول ستريت والتي يترتب عليها زيادة عدم الاستقرار في الاقتصادات الوطنية.
ثانيا: لأن هذه القروض تعمق الأزمة الاقتصادية بدلا من حلها؛ فالصندوق يفرض علينا نموذج معين للتنمية ويحدد أولوياتنا التي تناقض احتياجاتنا الحقيقية؛ فيكفي الإشارة إلى أن البلدان التي اضطرها الحال للاقتراض من الصندوق أُجبرت على الاستمرار في إنتاج المحاصيل الغذائية الموجهة للتصدير للبلدان الغنية بأبخس الأسعار، وأُجبرت على إلغاء دعم الصناعات الصغيرة والتي  نتج عنها تسريح العمالة المزيد من حالات الإفلاس والبطالة، مقابل تقديم إعفاءات للشركات الأجنبية يعمل بها عمالة وطنية بأجور زهيدة ولساعات طويلة نتيجة تخفيض العمالة، مما جعل الصناعات الوطنية غير قادرة على منافسة الصناعات الأوربية والأمريكية، ومثل هذا النموذج التنموي لن يؤدي إلا إلى تأخير تطبيق النموذج الإسلامي الذي يتوق المصريون إليه.
ثالثا: لأن هذه القروض تسهم في تأصيل الديكتاتورية لدى الشعوب؛ حيث تجبر القادة الوطنيين على تقديم مصالح المستثمرين الماليين العالميين على حقوق المواطنين واحتياجاتهم، مما يساعد على تقويض الديمقراطية. ومنذ عام 1976، قامت العديد من الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات البنك والصندوق في عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم، بعد أن اكتشفت الشعوب أن سياسات الصندوق تتعارض مع مصالح الدولة والمواطنين، فهل لدينا في ظل هذا الاحتقان الشعبي والضبابية في الرؤية القدرة على مواجهة احتجاجات فئوية جديدة وإضرابات واعتصامات؟
وبالنظر إلى تجارب دول أخرى، يمكننا التعرف على ما فعلته قروض الصندوق في اقتصاديات هذه الدول؛ ففي المكسيك أدى انخفاض أسعار النفط العالمية عام 1982، والذي تزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق المالية الدولية إلى وقوع المكسيك في ما سمي وقتها بأزمة الديون والتي اجتاحت جميع أنحاء أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، فتقدمت بطلب لصندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة بقرض قيمته 3,9 مليار دولار. وبالطبع ربط الصندوق موافقته بضرورة شروع المكسيك في سلسلة من إصلاحات السوق كالخصخصة وتشجيع تدفق الاستثمار الأجنبي بحجة القضاء على عجز الموازنة.
في المقابل دارت مفاوضات بين الصندوق والحكومة المكسيكية والشركات الوطنية والنقابات العمالية والتي انتهت بوضع مجموعة من المواثيق الاجتماعية تضمن الحفاظ على الأجور لمواجهة التضخم، وبالفعل زاد الحد الأدنى للأجور بنسبة 136% حتى عام 1994، إلا أن المفاجأة أنه بسبب إجراءات التكيف الهيكلي ارتفع التضخم إلى 371 %!.
وكان نتيجة ذلك أن خفضت الدولة الاستثمارات الحكومية في البحث والتعليم والتنمية، والبنية التحتية، وبدلا من أن تزيد سياسات الصندوق تنافسية المكسيك في الاقتصاد الدولي، أدت إلى الحد من الاستثمار في المجالات الحيوية والاستراتيجية للدولة؛ فباعت أكثر من 1000 مؤسسة عامة بغرض ضخ الأموال لخزانة الدولة، إلا أنها على النقيض أضرت بالشركات الوطنية.
يكفي التدليل على ذلك بخصخصة شركة تيلمكس للهواتف والتي باعها الرئيس المكسيكي عام 1990، بمعاونة البنك الدولي، وفازت شركات كبرى بعملية الشراء كفرانس تيليكوم، والتي بدورها رفعت سعر المكالمة المحلية من 16 بيزو للدقيقة الواحدة إلى 115 بيزو!.
ليس هذا فحسب، بل قامت الحكومة بإلغاء دعم صغار المزارعين بناء على طلب الصندوق، ترافق مع تدفق واردات الذرة الأمريكية، ما أدى إلى انخفاض أسعار الذرة المحلية بنحو 45%، مما أجبر ملايين المزارعين على الهجرة من أراضيهم نحو دول مجاورة، وحتى اليوم لم تنجح جهود الحكومة في تخفيض سعر الخبز بسبب السيطرة الاحتكارية الاجنبية لصناعة الذرة المكسيكية.
وبحلول عام 1995، طلبت الحكومة من الصندوق قرضا جديدا بقيمة 7,75 مليار دولار، وبدورها قامت وزارة الخزانة الأميركية بإقراض المكسيك 18 مليار دولار أخرى، وجرت بالطبع جولة جديدة من الخصخصة لجمع المال لسداد القروض، وانخفضت قيمة البيزو المكسيكي، في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة الفائدة على القروض، فتضاعفت البطالة، وأفلس أكثر من 12 ألف شركة مكسيكية، ووقع الملايين من الأسر تحت خط الفقر.

واليوم، بعد ثلاث عقود من خضوع المكسيك لصندوق النقد الدولي ما زالت البلاد تعاني من الفقر وعدم المساواة، ومازالت تعاني آثار هذه القروض المشروطة التي جرت الوبال على الشعب، فهل نستمر على رضوخنا لشروط الصندوق ونتمسك بإتمام الحصول على القرض لتعاني أجيال قادمة من تبعاته؟ وهل بعد أن من الله علينا بالتحرر السياسي والقضاء على الديكتاتورية نخضع أنفسنا لاحتلال اقتصادي جديد وتبعية ممنهجة بدعوى دعم الاقتصاد؟، أم نتعلم من تجارب الدول الأخرى، ونستخلص الدروس من  أزماتها التي استمرت لعقود، دفعت أجيال عديدة ثمنها؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق