كتبت: أمل خيري
جريدة الشعب
عدد33
نشر البنك الدولي نهاية الشهر الماضي سلسلة تقارير
تتضمن دراسات الجدوى الهندسية والاقتصادية
والبيئية الخاصة بشأن مشروع قناة البحرين
(التي من المقرر أن تربط ما بين البحرين الأحمر والميت بطول 180 كيلومترا)، والتي
أعلن فيها البنك الدولي عن موافقته على تنسيق التمويل المقدم من الجهات المانحة
وإدارة تنفيذ برنامج الدراسة، وهو ما اعتبرته وزارة التعاون الإقليمي الإسرائيلية
بمثابة خطوة جديدة نحو تنفيذ هذا المشروع، فيما رأت المنظمة البيئية "أصدقاء
كوكب الأرض- الشرق الأوسط" أنه وفقاً لنتائج تقارير البنك الدولي فإن تنفيذ
هذه المشروع يعد بمثابة انتحار بيئي.
وقدر البنك الدولي التكلفة الإجمالية للمشروع بأكثر
من 10 مليارات دولار، يأتي هذا بعد تأسيس البنك الدولي عام 2008 صندوقا لجمع تبرعات المانحين
الدوليين لاستكمال مشروع دراسة جدوى لإنشاء هذه القناة، التي تعد مشروعا عربيا-
إسرائيليا مشتركا لإنقاذ البحر الميت من التقلص والانكماش. وكان المنتدى الاقتصادي
العالمي قد عقد في الأردن على شاطئ البحر الميت في مايو 2005، وأعلنت خلاله الأردن
وإسرائيل والسلطة الفلسطينية والبنك الدولي الموافقة على إطلاق مشروع لدراسة جدوى
بتكلفة 15 مليون دولار لهذه القناة، إلا أن فوز حماس في الانتخابات عام 2006 أوقف
المشروع الذي تساهم فيه الولايات المتحدة،
فرنسا، أسبانيا، اليونان، اليابان، هولندا، السويد، ألمانيا، وإنجلترا.
وكانت فكرة شق قناة البحر الميت قد تبادرت لأول مرة
منذ منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدا عام 1855 حين فكر الأميرال البريطاني "وليم
ألن" في تنفيذ مشروع يسمى "البحر الميت - طريق جديد للهند" ليكون
بديلا عن قناة السويس التي كانت تحت سيطرة فرنسا في ذلك الوقت، لكنه لم يستطع
تنفيذها لانخفاض منسوب البحر الميت، وتم إحياء الفكرة في ثمانينات القرن العشرين
لأغراض توليد الطاقة في أعقاب أزمة النفط عام 1973، لكنها توقفت بسبب الشكوك حول
الجدوى الاقتصادية، وعاد التفكير في المشروع مرة أخرى في التسعينات وظلت الدراسات
مستمرة حتى الآن.
وكانت سلطة المياه الفلسطينية قد نظمت بالتعاون مع البنك الدولي الأسبوع الماضي ورشة عمل حول النتائج النهائية التي توصلت إليها دراسة الجدوى لمشروع قناة البحر الأحمر - الميت التي يستغرق إنشاؤها10 أعوام. واستعرض المشاركون التحفظات الفلسطينية على تأثير خطة المشروع على الحقوق الفلسطينية والحصول على المياه والتحكم بمصادر المياه، فيما تتخوف إسرائيل من خطر تسرب المياه المالحة الذي من الممكن أن يلوث المياه الجوفية القريبة، بينما يتحفظ الجانب الأردني على الاهتمام المنصب على كميات المياه العذبة التي سيتم إنتاجها وتوزيعها. إلى جانب وجود عدد من التحفظات على الجوانب البيئية، والممرات الحدودية، والدراسات المراقبة المطلوبة بهدف الاستفادة من الفرص المتاحة.
ومن الناحية البيئية تشير تقارير البنك الدولي إلى
أن مشروع قناة البحرين سيؤدي إلى انتشار الطحالب الحمراء وكتل الجبس البيضاء في
البحر الميت، كما ستشكل هذه القناة خطورة على المياه الجوفية في وادي عربة، كما
يؤكد جدعون برومبرج -مدير عام منظمة "أصدقاء كوكب الأرض- الشرق الأوسط"
أن هذا المشروع سيؤدي إلى ارتفاع سعر المياه في الأردن، وقد يؤدي إلى نشوب
اضطرابات في هذه الدولة.
أما
المخاطر الأمنية والبيئية على مصر فتتمثل في اختلال التوزان الجيبوليتكي بين مصر
وإسرائيل؛ فمن المتوقع لهذا المشروع إنشاء مجتمعات عمرانية إسرائيلية جديدة تستوعب
نحو مليون مهاجر بحلول عام 2150، مما يستتبع بناء هياكل عسكرية دفاعية عن هذه
التجمعات وهو الأمر الذي يضر مصر أمنيا. إضافة لذلك تخطط إسرائيل لإنشاء مفاعلين
نويين إضافيين في منطقة النقب يتم تبريدهما بمياه القناة المقترحة، والذي سيمكنها
من بناء مئات من القنابل ورؤوس الصواريخ النووية، فضلا عما سيترتب على ذلك من
زيادة حجم النفايات النووية الناتجة عن هذه المفاعلات، والتي ستزيد من تلوث البيئة
في منطقة البحر الأحمر كلها، حيث تقوم إسرائيل بدفنها في النقب ومنطقة جبال الخليل.
علاوة
على ذلك فإن التأثيرات البيئية على كنوز وثروات البحر الأحمر في المنطقة المصرية
تعد خطيرة؛ حيث مناطق الشعب المرجانية وحدائقها التي لا تقدر بثمن، والأسماك
الملونة النادرة التي ازدهر بها جنوب سيناء سياحيا، فتقرير البنك الدولي يؤكد أنه
قد ينجم عن خلط مياه البحر الأحمر والمياه المرفوضة الناتجة عن عملية التحلية
بمياه البحر الميت مخاطر إذا زادت كمية المياه عن 300 مليون متر مكعب، مما يغير من
الخصائص البيئية للبحر الأحمر وتياراته المائية، ومن ثم قد يحدث تدميرا للشواطئ
والأحياء المائية والشعب المرجانية التي تعيش في بيئة البحر الأحمر منذ آلاف
السنين.
أضف لذلك
ما تشكله هذه القناة من منافسة خطيرة لقناة السويس، مما قد يسلب مصر أبرز مصادر
إيراداتها القومية، وهو الأمر الذي تنتظره إسرائيل دوما، كما بدا في تدخلها الفج
لتشجيع العصيان المدني في بورسعيد مؤخرا وتشجيعها السفن التجارية على التوجه
لموانيها القريبة خاصة حيفا، وإعلانها عن تخفيضات لرسوم العبور، ما جعلها المستفيد
الأكبر من العصيان الإجباري المفروض على بورسعيد، وتأتي موافقة البنك الدولي على
تمويل مشروع القناة في ظل انشغال مصر بالأحداث الداخلية المفتعلة التي يبدو واضحا
أنها تنفيذا لأجندة منهجية تتمدد فيها إسرائيل في غفلة منا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق