بعد عرض قانون الصكوك على مجلس الشورى
ما الدور المرتقب للصكوك فى التنمية؟
كتبت: أمل خيري
جريدة الشعب
عدد34
>> قيمة إصدارات الصكوك عالميًّا بلغت 140 مليارًا حتى نهاية عام 2012
>> ماليزيا تستحوذ على ثلثى الإصدارات العالمية من الصكوك
>> توقعات بزيادة الطلب العالمى على الصكوك إلى 420 مليار دولار بحلول عام 2016
>> القانون يحظر إصدار صكوك تمس الأصول والمرافق العامة للدولة
>> لا مقارنة بين صكوك «نظيف» ومشروع القانون الحالي
>> ماليزيا تستحوذ على ثلثى الإصدارات العالمية من الصكوك
>> توقعات بزيادة الطلب العالمى على الصكوك إلى 420 مليار دولار بحلول عام 2016
>> القانون يحظر إصدار صكوك تمس الأصول والمرافق العامة للدولة
>> لا مقارنة بين صكوك «نظيف» ومشروع القانون الحالي
انتهت الحكومة مؤخرا من إعداد مشروع قانون
الصكوك، ثم أرسلت النسخة النهائية رسميا إلى مجلس الشورى لمناقشته؛ وذلك
بعد إجراء تعديلات جوهرية عليه شارك فيها ممثلون للبنك المركزى ومجمع
البحوث الإسلامية، كما نوقش خلال 4 جلسات مع بعض منظمات المجتمع المدنى.
وتضمن مشروع القانون الجديد 29 مادة إضافة إلى 3 مواد للإصدار، وحُذفت كلمة «إسلامية» منه. وأكد وزير المالية أن الحكومة راعت تحفظات الأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية على المسودة السابقة للقانون، خاصة التخوفات بشأن حماية الأصول العامة من الرهن أو البيع.
ووفق القانون الجديد، يقصد بالصكوك «أوراق مالية اسمية متساوية القيمة، تصدر بالجنيه المصرى أو بالعملات الأجنبية عن طريق الاكتتاب العام أو الخاص. وتصدر الصكوك مقابل مشروع استثمارى معين ووفقا لصيغ التمويل الإسلامى المتعددة».
ولا يؤثر حذف كلمة «إسلامية» من مشروع القانون فى شرعيتها؛ فالصكوك بطبيعتها متطابقة مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ فعالميا عندما يقال: «صك» فهذا يعنى أداة مالية متوافقة مع الشريعة.
وقد بلغت قيمة إصدارات الصكوك العالمية حتى نهاية عام 2012 مقدار 140 مليارا، فارتفعت بذلك عن العام السابق بنسبة 64%. ومثلت إصدارات دول الشرق الأوسط مقدار 17% إلى 53% من إجمالى إصدارات الصكوك حول العالم.
ولا تزال ماليزيا تتربع على عرش إصدارات الصكوك؛ إذ بلغت نسبة الإصدارات بالعملة الماليزية (الرينجيت) من الربع الأخير لعام 2012، نحو 22 مليارا و849 مليون دولار. وتستحوذ ماليزيا على ثلثى الإصدارات العالمية من الصكوك تقريبا.
وتوقعت مؤسسة «تومسون رويترز» زيادة الطلب العالمى على الصكوك من 140 مليار دولار إلى 420 مليار دولار بحلول عام 2016. وأشارت «تومسون رويترز» -فى دراسة حديثة صادرة عنها بعنوان «توقعات وآفاق الصكوك الإسلامية»- إلى أن معروض الصكوك بالأسواق العالمية سيشهد نموا مطردا، متوقعة أن تزيد الفجوة بين الطلب والعرض أكثر من 280 مليار دولار فى السنوات الأربع المقبلة، كما توقعت الدراسة أن يخصص المستثمرون 50% من محافظهم لاستثمارات التمويل الإسلامى؛ إذ سيذهب 35 - 40% من هذه المخصصات إلى الصكوك.
الصكوك والتنمية
فى مجال إصدار الصكوك تجارب عالمية ناجحة تؤكد قدرتها على تمويل المشروعات التنموية الكبرى فى مختلف دول العالم؛ إذ سعت عدة دول إلى وضع إطار قانونى منظم لإصدار الصكوك بغرض تشجيع المؤسسات المستثمرة فيها؛ ما حقق معدلات نمو غير مسبوقة للصكوك على المستوى العالمى، خاصة فى ماليزيا وإندونيسيا، والإمارات والسعودية، وقطر وتركيا، بل حتى فى دول غير إسلامية كألمانيا وإنجلترا والولايات المتحدة.
ومن الأمثلة الدالة على نجاح هذه التجارب العالمية، أن ماليزيا أصدرت عدة صكوك لتمويل عمليات إنشاء وتطوير عدة مشروعات عملاقة فى مجال البنية التحتية والمشاريع التنموية مثل: المطارات والطرق الرئيسية، وعمليات التنقيب عن الغاز، وصناعة البتروكيمياويات وغيرها، وكانت تجربة ناجحة دفعت بماليزيا، مع عدة إصلاحات اقتصادية؛ إلى مرحلة كبرى من النمو الاقتصادى.
كما وقعت حكومة دبى ممثلة فى دائرة الطيران المدنى، مع 6 بنوك إسلامية تحت إدارة بنك دبى الإسلامى لإصدار صكوك إجارة إسلامية بحجم مليار دولار تمت تغطيتها بالكامل لتوسعة مطار دبى. ومُوّلت مؤسسة الموانى والجمارك والمنطقة الحرة فى دبى بمبلغ تجاوز 8,2 مليارات دولار؛ وذلك بصكوك مالية مصدرة بوساطة بنك دبى الإسلامى.
وعلى النسق نفسه، أصدرت حكومة قطر صكوك إجارة دولية بقيمة 700 مليون دولار لتطوير مدينة حمد الطبية، وغير ذلك كثير من الأمثلة لإصدارات حكومية أخرى، أو إصدارات الشركات والبنوك التابعة للقطاع الخاص فى دول مثل إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، وسنغافورة وكوريا الجنوبية، وتركيا وغيرها.
هل تمول الصكوك عجز الموازنة؟
وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا تُطرح الصكوك الآن؟ وهل ستساعد فى تحسين الوضع الاقتصادى؟
من الملاحظ أن الاقتصاد المصرى حاليا يعانى خللا هيكليا يظهر فى انخفاض معدلات الاستثمار، ومن ثم عدم القدرة على تحقيق معدلات نمو اقتصادى مقبولة.
ونظرا إلى اعتماد الاقتصاد المصرى، طوال الـ30 عاما السابقة على الأنشطة الريعية والطفيلية، ولم يتوجه إلى اقتصاد «القيمة المضافة» إلا فى أضيق الحدود؛ فإن الاستفادة من موارد مصر الاقتصادية الكبرى والمتعددة لا تزال عند الحدود الدنيا، ومن ثم فإن هناك فرصة حقيقية الآن لتحقيق عوائد مجزية على الاستثمار التنموى شرط تدبير موارد للتمويل.
أضف إلى ذلك ارتفاع الدين الداخلى العام، أو ما يطلق عليه «تركة مبارك الثقيلة»، التى تعانى منها الموازنة العامة، وتستهلك فوائدها فقط 25% من إجمالى المصروفات العامة؛ ما يحد إمكانات الاستثمار.
وفى ظل زيادة معاناة القطاع الخاص من انخفاض قدرته على الحصول على قروض بنكية وتسهيلات ائتمانية لتمويل استثماراته، واتجاه أموال الاستثمار إلى أنشطة يغلب عليها المضاربة غير النافعة مثل الاتجار فى الأراضى والعقارات والذهب، وأحيانا العملة؛ لذا فإن طرح صكوك فى هذا التوقيت يتناسب مع وجود حاجة ضرورية وماسة إلى استحداث أوعية ادخارية واستثمارية جديدة، وتوجيهها نحو مشروعات تنموية كبرى تقدم قيمة مضافة إلى الاقتصاد المصرى.
وعلى الرغم من أن حصيلة الصكوك ليست موجهة فى الأساس إلى تمويل عجز الموازنة، بل إلى تمويل ما تحتاجه البلاد من مشروعات بنية أساسية أو استثمارية وأنشطة حكومية؛ فإنها تسمح بتوفير ما يقابل تمويلها أو بعضه فى الموازنة العامة، بما يسمح بخفض العجز بالقيمة الموفرة أو توجيهه إلى تمويل خدمات أخرى كالصحة والتعليم والدعم؛ ما ينعكس مباشرة على تخفيض العجز فى الموازنة العامة أو إعادة توجيه هذه المبالغ إلى مجالات وقطاعات أخرى تعانى عجزا فى التمويل.
من سيشترى الهرم؟!
يثير البعض شبهات حول إمكانية رهن أو بيع أو التفريط فى الأصول الثابتة المملوكة للدولة، كقناة السويس فى ظل قانون الصكوك الجديد، إلا أن المادة الخامسة من القانون أوردت تفصيلا دقيقا لما يجوز طرح الصكوك مقابله، فحظرت استخدام الأصول الثابتة المملوكة ملكية عامة للدولة أو منافعها لإصدار صكوك حكومية فى مقابلها، وهى بذلك تشمل كل الأصول المملوكة للأمة المصرية، كالأهرامات ونهر النيل وقناة السويس.
أما الأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة (مثل شركات القطاع العام)، فلم يسمح القانون بإصدار صكوك إلا فى مقابل حق الانتفاع دون حق التملك؛ ما يعنى عدم إمكانية التصرف فيها بحال من الأحوال بالرهن أو الحجز أو الوصية أو الهبة أو الإرث وغير ذلك.
بين صكوك «نظيف» و«قنديل»
وهناك أيضا خلط غير مبرر بين فكرة «الصكوك الشعبية» التى طرحتها حكومة «أحمد نظيف» والصكوك المزمع طرحا حاليا. ويحاول البعض إبراز الأمر كأنه صورة جديدة للخصخصة. وهو أمر يدعو إلى الدهشة، خاصة حين يطرحه بعض خبراء الاقتصاد!.
فالتباين شاسع بين الفكرتين؛ ففكرة الصكوك الشعبية كان غرضها توزيع ملكية القطاع العام على المشاع لأفراد الشعب (خصخصة من نوع جديد). أما فكرة الصكوك الحالية فتُطرح لتمويل مشروعات محددة لفترة محددة، ثم تعود الملكية إلى الدولة فى حالة الصكوك الحكومية (بمعنى أن الاتجاه يكون إلى العمعمة –من التعميم- لا إلى الخصخصة)، بما يعنى أن الفكرتين تسيران فى اتجاهين متضادين تماما.
هناك أيضا تخوفات من أن تسحب الصكوك بعد طرحها للتداول بأسواق المال السيولة من البورصة المصرية، إلا أن الاستثمار فى الصكوك يترتب عليه إقامة مشروعات بنية تحتية، وزيادة الشركات لأنشطتها ومشروعاتها؛ ما يرفع معدل الاستثمار على مستوى الاقتصاد القومى، تتبعه زيادة بالناتج المحلى الإجمالى، ومن ثم يرفع مستوى دخل الفرد. وكل ذلك يؤدى إلى رواج اقتصادى سينعكس بالطبع إيجابيا على أداء البورصة، إضافة إلى أن المستثمر المستهدَف بالاستثمار فى الصكوك، تختلف طبيعته عن المستثمر الموجود فى البورصة حاليا.
أنواع الصكوك
وتوجد العديد من أنواع الصكوك حسب الغرض من إصدارها؛ فهناك الصكوك المصدرة بغرض التمويل، كصكوك الإجارة والسَلَم والاستصناع والمرابحة والمزارعة، وهناك الصكوك المصدرة بغرض الاستثمار، كصكوك المشاركة والمضاربة، ويُختار نوع الصكوك المستخدمة حسب الاحتياجات التمويلية للمشروع؛ فعلى سبيل المثال، تتمتع صكوك تمويل مشروعات البنية التحتية الاقتصادية (كالموانى والمطارات والجسور) بالسلامة المالية، وعوائدها تكون جاذبة للقطاع الخاص للاستثمار لفترة محددة (مدة الصكوك)، ثم تذهب ملكيتها إلى الدولة. وفى هذه الحالة تصلح صكوك الاستصناع والمشاركة.
أما مشروعات البنية التحتية الاجتماعية (كالمدارس والمستشفيات الحكومية) التى تكون غالبا غير جاذبة للقطاع الخاص؛ فيمكن استخدام صكوك إجارة الخدمات، فيصبح مُلاَّك الصكوك هم مُلاَّك الخدمات، على أن تتعاقد الحكومة مع شركة المشروع مقابل دفع عوائد مجزية ويُعاد تقديم الخدمة مجانا أو برسوم رمزية للمواطنين، بما لا يمس مصالح المستفيدين من الخدمة من أبناء الشعب.
صغار المدخرين
ولا يقتصر الاستثمار فى الصكوك على كبار المستثمرين، بل يمكن لصغار المدخرين الاستثمار فيها؛ كل بقدر حاجته وإمكانياته. على سبيل المثال، طرحت ماليزيا نوعا جديدا من الصكوك الإسلامية المرنة وسهلة التداول، مع إتاحة الفرصة لذوى الدخل المحدود لتتعامل بها، والحصول على أرباح ثابتة ومضمونة؛ إذ خصصت إصدارا لتمويل مشروع خط قطار جديد فى العاصمة كوالالمبور، تبلغ قيمته نحو 5,1 مليارات دولار، خُصص منها نحو 300 مليون دولار لصغار المستثمرين والمواطنين ذوى الدخل المحدود.
وقد لاقت فكرة الصكوك فى مصر استجابة كبيرة من مؤسسات مالية عالمية، كالبنك الإسلامى للتنمية، كما لاقت اهتماما من بعض كبار رجال الأعمال المصريين، ونسبة كبيرة من المصريين العاملين بالخارج، خاصة فى دول الخليج العربى. وهناك أيضا قطاع عريض من صغار المدخرين المصريين الذين كانوا يحجمون عن إيداع أموالهم فى البنوك الربوية. ويمكن للصكوك أن تجتذب هذه الأموال وتشجع أصحابها على ضخها فى الأسواق واستثمارها وفق الشريعة الإسلامية.
http://elshaab.org/thread.php?ID=53560
وتضمن مشروع القانون الجديد 29 مادة إضافة إلى 3 مواد للإصدار، وحُذفت كلمة «إسلامية» منه. وأكد وزير المالية أن الحكومة راعت تحفظات الأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية على المسودة السابقة للقانون، خاصة التخوفات بشأن حماية الأصول العامة من الرهن أو البيع.
ووفق القانون الجديد، يقصد بالصكوك «أوراق مالية اسمية متساوية القيمة، تصدر بالجنيه المصرى أو بالعملات الأجنبية عن طريق الاكتتاب العام أو الخاص. وتصدر الصكوك مقابل مشروع استثمارى معين ووفقا لصيغ التمويل الإسلامى المتعددة».
ولا يؤثر حذف كلمة «إسلامية» من مشروع القانون فى شرعيتها؛ فالصكوك بطبيعتها متطابقة مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ فعالميا عندما يقال: «صك» فهذا يعنى أداة مالية متوافقة مع الشريعة.
وقد بلغت قيمة إصدارات الصكوك العالمية حتى نهاية عام 2012 مقدار 140 مليارا، فارتفعت بذلك عن العام السابق بنسبة 64%. ومثلت إصدارات دول الشرق الأوسط مقدار 17% إلى 53% من إجمالى إصدارات الصكوك حول العالم.
ولا تزال ماليزيا تتربع على عرش إصدارات الصكوك؛ إذ بلغت نسبة الإصدارات بالعملة الماليزية (الرينجيت) من الربع الأخير لعام 2012، نحو 22 مليارا و849 مليون دولار. وتستحوذ ماليزيا على ثلثى الإصدارات العالمية من الصكوك تقريبا.
وتوقعت مؤسسة «تومسون رويترز» زيادة الطلب العالمى على الصكوك من 140 مليار دولار إلى 420 مليار دولار بحلول عام 2016. وأشارت «تومسون رويترز» -فى دراسة حديثة صادرة عنها بعنوان «توقعات وآفاق الصكوك الإسلامية»- إلى أن معروض الصكوك بالأسواق العالمية سيشهد نموا مطردا، متوقعة أن تزيد الفجوة بين الطلب والعرض أكثر من 280 مليار دولار فى السنوات الأربع المقبلة، كما توقعت الدراسة أن يخصص المستثمرون 50% من محافظهم لاستثمارات التمويل الإسلامى؛ إذ سيذهب 35 - 40% من هذه المخصصات إلى الصكوك.
الصكوك والتنمية
فى مجال إصدار الصكوك تجارب عالمية ناجحة تؤكد قدرتها على تمويل المشروعات التنموية الكبرى فى مختلف دول العالم؛ إذ سعت عدة دول إلى وضع إطار قانونى منظم لإصدار الصكوك بغرض تشجيع المؤسسات المستثمرة فيها؛ ما حقق معدلات نمو غير مسبوقة للصكوك على المستوى العالمى، خاصة فى ماليزيا وإندونيسيا، والإمارات والسعودية، وقطر وتركيا، بل حتى فى دول غير إسلامية كألمانيا وإنجلترا والولايات المتحدة.
ومن الأمثلة الدالة على نجاح هذه التجارب العالمية، أن ماليزيا أصدرت عدة صكوك لتمويل عمليات إنشاء وتطوير عدة مشروعات عملاقة فى مجال البنية التحتية والمشاريع التنموية مثل: المطارات والطرق الرئيسية، وعمليات التنقيب عن الغاز، وصناعة البتروكيمياويات وغيرها، وكانت تجربة ناجحة دفعت بماليزيا، مع عدة إصلاحات اقتصادية؛ إلى مرحلة كبرى من النمو الاقتصادى.
كما وقعت حكومة دبى ممثلة فى دائرة الطيران المدنى، مع 6 بنوك إسلامية تحت إدارة بنك دبى الإسلامى لإصدار صكوك إجارة إسلامية بحجم مليار دولار تمت تغطيتها بالكامل لتوسعة مطار دبى. ومُوّلت مؤسسة الموانى والجمارك والمنطقة الحرة فى دبى بمبلغ تجاوز 8,2 مليارات دولار؛ وذلك بصكوك مالية مصدرة بوساطة بنك دبى الإسلامى.
وعلى النسق نفسه، أصدرت حكومة قطر صكوك إجارة دولية بقيمة 700 مليون دولار لتطوير مدينة حمد الطبية، وغير ذلك كثير من الأمثلة لإصدارات حكومية أخرى، أو إصدارات الشركات والبنوك التابعة للقطاع الخاص فى دول مثل إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، وسنغافورة وكوريا الجنوبية، وتركيا وغيرها.
هل تمول الصكوك عجز الموازنة؟
وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا تُطرح الصكوك الآن؟ وهل ستساعد فى تحسين الوضع الاقتصادى؟
من الملاحظ أن الاقتصاد المصرى حاليا يعانى خللا هيكليا يظهر فى انخفاض معدلات الاستثمار، ومن ثم عدم القدرة على تحقيق معدلات نمو اقتصادى مقبولة.
ونظرا إلى اعتماد الاقتصاد المصرى، طوال الـ30 عاما السابقة على الأنشطة الريعية والطفيلية، ولم يتوجه إلى اقتصاد «القيمة المضافة» إلا فى أضيق الحدود؛ فإن الاستفادة من موارد مصر الاقتصادية الكبرى والمتعددة لا تزال عند الحدود الدنيا، ومن ثم فإن هناك فرصة حقيقية الآن لتحقيق عوائد مجزية على الاستثمار التنموى شرط تدبير موارد للتمويل.
أضف إلى ذلك ارتفاع الدين الداخلى العام، أو ما يطلق عليه «تركة مبارك الثقيلة»، التى تعانى منها الموازنة العامة، وتستهلك فوائدها فقط 25% من إجمالى المصروفات العامة؛ ما يحد إمكانات الاستثمار.
وفى ظل زيادة معاناة القطاع الخاص من انخفاض قدرته على الحصول على قروض بنكية وتسهيلات ائتمانية لتمويل استثماراته، واتجاه أموال الاستثمار إلى أنشطة يغلب عليها المضاربة غير النافعة مثل الاتجار فى الأراضى والعقارات والذهب، وأحيانا العملة؛ لذا فإن طرح صكوك فى هذا التوقيت يتناسب مع وجود حاجة ضرورية وماسة إلى استحداث أوعية ادخارية واستثمارية جديدة، وتوجيهها نحو مشروعات تنموية كبرى تقدم قيمة مضافة إلى الاقتصاد المصرى.
وعلى الرغم من أن حصيلة الصكوك ليست موجهة فى الأساس إلى تمويل عجز الموازنة، بل إلى تمويل ما تحتاجه البلاد من مشروعات بنية أساسية أو استثمارية وأنشطة حكومية؛ فإنها تسمح بتوفير ما يقابل تمويلها أو بعضه فى الموازنة العامة، بما يسمح بخفض العجز بالقيمة الموفرة أو توجيهه إلى تمويل خدمات أخرى كالصحة والتعليم والدعم؛ ما ينعكس مباشرة على تخفيض العجز فى الموازنة العامة أو إعادة توجيه هذه المبالغ إلى مجالات وقطاعات أخرى تعانى عجزا فى التمويل.
من سيشترى الهرم؟!
يثير البعض شبهات حول إمكانية رهن أو بيع أو التفريط فى الأصول الثابتة المملوكة للدولة، كقناة السويس فى ظل قانون الصكوك الجديد، إلا أن المادة الخامسة من القانون أوردت تفصيلا دقيقا لما يجوز طرح الصكوك مقابله، فحظرت استخدام الأصول الثابتة المملوكة ملكية عامة للدولة أو منافعها لإصدار صكوك حكومية فى مقابلها، وهى بذلك تشمل كل الأصول المملوكة للأمة المصرية، كالأهرامات ونهر النيل وقناة السويس.
أما الأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة (مثل شركات القطاع العام)، فلم يسمح القانون بإصدار صكوك إلا فى مقابل حق الانتفاع دون حق التملك؛ ما يعنى عدم إمكانية التصرف فيها بحال من الأحوال بالرهن أو الحجز أو الوصية أو الهبة أو الإرث وغير ذلك.
بين صكوك «نظيف» و«قنديل»
وهناك أيضا خلط غير مبرر بين فكرة «الصكوك الشعبية» التى طرحتها حكومة «أحمد نظيف» والصكوك المزمع طرحا حاليا. ويحاول البعض إبراز الأمر كأنه صورة جديدة للخصخصة. وهو أمر يدعو إلى الدهشة، خاصة حين يطرحه بعض خبراء الاقتصاد!.
فالتباين شاسع بين الفكرتين؛ ففكرة الصكوك الشعبية كان غرضها توزيع ملكية القطاع العام على المشاع لأفراد الشعب (خصخصة من نوع جديد). أما فكرة الصكوك الحالية فتُطرح لتمويل مشروعات محددة لفترة محددة، ثم تعود الملكية إلى الدولة فى حالة الصكوك الحكومية (بمعنى أن الاتجاه يكون إلى العمعمة –من التعميم- لا إلى الخصخصة)، بما يعنى أن الفكرتين تسيران فى اتجاهين متضادين تماما.
هناك أيضا تخوفات من أن تسحب الصكوك بعد طرحها للتداول بأسواق المال السيولة من البورصة المصرية، إلا أن الاستثمار فى الصكوك يترتب عليه إقامة مشروعات بنية تحتية، وزيادة الشركات لأنشطتها ومشروعاتها؛ ما يرفع معدل الاستثمار على مستوى الاقتصاد القومى، تتبعه زيادة بالناتج المحلى الإجمالى، ومن ثم يرفع مستوى دخل الفرد. وكل ذلك يؤدى إلى رواج اقتصادى سينعكس بالطبع إيجابيا على أداء البورصة، إضافة إلى أن المستثمر المستهدَف بالاستثمار فى الصكوك، تختلف طبيعته عن المستثمر الموجود فى البورصة حاليا.
أنواع الصكوك
وتوجد العديد من أنواع الصكوك حسب الغرض من إصدارها؛ فهناك الصكوك المصدرة بغرض التمويل، كصكوك الإجارة والسَلَم والاستصناع والمرابحة والمزارعة، وهناك الصكوك المصدرة بغرض الاستثمار، كصكوك المشاركة والمضاربة، ويُختار نوع الصكوك المستخدمة حسب الاحتياجات التمويلية للمشروع؛ فعلى سبيل المثال، تتمتع صكوك تمويل مشروعات البنية التحتية الاقتصادية (كالموانى والمطارات والجسور) بالسلامة المالية، وعوائدها تكون جاذبة للقطاع الخاص للاستثمار لفترة محددة (مدة الصكوك)، ثم تذهب ملكيتها إلى الدولة. وفى هذه الحالة تصلح صكوك الاستصناع والمشاركة.
أما مشروعات البنية التحتية الاجتماعية (كالمدارس والمستشفيات الحكومية) التى تكون غالبا غير جاذبة للقطاع الخاص؛ فيمكن استخدام صكوك إجارة الخدمات، فيصبح مُلاَّك الصكوك هم مُلاَّك الخدمات، على أن تتعاقد الحكومة مع شركة المشروع مقابل دفع عوائد مجزية ويُعاد تقديم الخدمة مجانا أو برسوم رمزية للمواطنين، بما لا يمس مصالح المستفيدين من الخدمة من أبناء الشعب.
صغار المدخرين
ولا يقتصر الاستثمار فى الصكوك على كبار المستثمرين، بل يمكن لصغار المدخرين الاستثمار فيها؛ كل بقدر حاجته وإمكانياته. على سبيل المثال، طرحت ماليزيا نوعا جديدا من الصكوك الإسلامية المرنة وسهلة التداول، مع إتاحة الفرصة لذوى الدخل المحدود لتتعامل بها، والحصول على أرباح ثابتة ومضمونة؛ إذ خصصت إصدارا لتمويل مشروع خط قطار جديد فى العاصمة كوالالمبور، تبلغ قيمته نحو 5,1 مليارات دولار، خُصص منها نحو 300 مليون دولار لصغار المستثمرين والمواطنين ذوى الدخل المحدود.
وقد لاقت فكرة الصكوك فى مصر استجابة كبيرة من مؤسسات مالية عالمية، كالبنك الإسلامى للتنمية، كما لاقت اهتماما من بعض كبار رجال الأعمال المصريين، ونسبة كبيرة من المصريين العاملين بالخارج، خاصة فى دول الخليج العربى. وهناك أيضا قطاع عريض من صغار المدخرين المصريين الذين كانوا يحجمون عن إيداع أموالهم فى البنوك الربوية. ويمكن للصكوك أن تجتذب هذه الأموال وتشجع أصحابها على ضخها فى الأسواق واستثمارها وفق الشريعة الإسلامية.
http://elshaab.org/thread.php?ID=53560
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق